انتهت أيام مهرجان مراكش السينمائى الدولى وعادت كوريا الجنوبية بجائزة النجمة الذهبية لأفضل فيلم، وخرج الفيلم المغربى «السراب» الذى مثل الدولة المضيفة بلا جوائز من المسابقة المغربية، ولكن استطاعت المغرب أن تفوز بالجائزة الأكبر من النجمة الذهبية عن فيلم، لأنها فازت بمهرجان كامل.
مراكش مدينة عتيقة تقبع جغرافياً فى قلب المغرب، وستظل اسما يردده ضيوف المهرجان شهوراً بعد شهور، وربما لسنين، لأنها أحسنت استقبالهم ومنحتهم ضيافة سينمائية وفنية راقية حتى لو اختلف البعض على مستوى الأفلام المشاركة فى المسابقة.. وكما وعدتكم فى الأسبوع الماضى أن أكمل لكم حكايات من مدينة الورود والسحر والسينما، ها أنا أوفى بوعدى لعلى أصيب بأن أنقل لكم ما قد يبعد عنكم.
الحكاية الأولى:
فى قلب مراكش مصر هى أم الدنيا منذ أن تطأ قدم مصرى بلاد المغرب ويسبق لسانه تعريف نفسه، يعرف المغربى جنسيته عن طريق لهجته المصرية التى حفظها من السينما والتليفزيون، فى المغرب فقط يستطيع المصرى أن يردد مقولة مصطفى كامل «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً» فمغفور لك خطاياك فى المغرب لأنك مصرى، ولهجتى المصرية كانت جواز سفرى إلى بلاد المغرب، فهناك مصر هى أم الدنيا التى يسألونك عن أحوالها وأحوال فنانيها خاصة عادل إمام وحسن حسنى، فالأخير منافس شرس لاسم عادل إمام، ولم أستطع أبداً أن أعرف السبب فى منافسة حسن حسنى لعادل إمام على قلوب المغاربة، فالشارع والحارة والزقاق والغنى والفقير قد يختلفون حول أمور عديدة فى مصر لكنهم يجتمعون جميعاً على حب عادل إمام وحسن حسنى.
وقد وصلت إلى المغرب قبل أيام من الانتخابات البرلمانية فى مصر ولذا كان حديث الانتخابات المصرية وما حدث فيها سؤال يتردد على كثير من الصفوة.. أما العامة فالسؤال الأول لى كمصرية هل أنا أهلاوية أم زملكاوية، فالمغربى يعشق الكرة، والكرة المصرية عندهم هى الأهلى والزمالك، ومهما كان انتماء المغربى الكروى لفريق الترجى أو الوداد فإنه صاحب انتماء لفريق الأهلى أو الزمالك.
وسأسوق لكم معلومة قد لا يعرفها حتى بعض المغاربة تدل على تأثير مصر وفنها حتى على الكرة المغربية، ففريق الوداد المغربى قد حصل على اسمه من الفيلم المصرى وداد بطولة أم كلثوم، فالقصة أن بعض المغاربة فى بدايات القرن الماضى كانوا يحلمون بمقاومة الاستعمار الفرنسى لهم وإحدى وسائلهم فى المقاومة كانت أن يكونوا فريقا قوميا للكرة لكى يلتف حوله المغاربة، وحددوا موعداً للقاء بعد مشاهدتهم فيلم «وداد» لأم كلثوم فى إحدى دور العرض وحين بحثوا عن اسم للفريق اتفقوا على أن يكون اسمه الوداد تيمنا بالفيلم المصرى وأم كلثوم فصار اسم فريقهم الأشهر الوداد.
الحكاية الثانية: أنا والأمير
علاقتى بأهل السلطة والسلطان بشكل عام علاقة شخصية متوترة، فأنا مثل البعض مجرد كلمة رئيس أو وزير أو صاحب سلطة تثير فى العداء بشكل مسبق حتى دون أن أتعرف عليه، فالمصريون على قدر ارتباطهم وخضوعهم للسلطة على مر العصور يعتبرونها عدوا حبيبا يلعنونها نهاراً وينامون فى أحضانها ليلاً ويعتبرون معارضتها شرفاً رغم السير فى ركابها بدرجات وأنا مصرية من الرأس إلى القدم.
اعتدت أن أى صاحب سلطان فى مصر من الرئيس إلى حتى رئيس الخفراء عادة ما يسيرون فى ركب يتقدمه حملة المباخر يوسعون له الطريق، ولست بحاجة لأن أسوق لكم مئات بل آلاف الأمثلة، لصورة أى رئيس فى أصغر مؤسسة وهو يسير منفوش الريش يسبقه حملة المباخر الموسعين الطريق.
ولهذا فأنا أصاب بصدمة حين أجد صاحب سلطة أو سلطان "عادى كده". وعلى مدى ثلاث سنوات فى مراكش كلما أجلس فى المركز الصحفى التابع لمهرجان أجدنى فى صدفة متكررة غريبة فى مواجهة رئيس مؤسسة المهرجان الأمير مولاى رشيد شقيق الملك محمد السادس وهو يتجول يتفقد أروقة المهرجان، أمير ابن ملك وأخ لملك وحاكم فى قومه يسير فى الطرقات بلا حراسة مدججة وبلا حملة مباخر وبلا «وسع يا جدع الأمير جاى».. شاب متواضع مرفوع الرأس وسيم مهتم بأمر حدث سينمائى يعرف أنه يجلب للمغرب أكثر من 100 مليون دولار استثمارا فيهتم بكل تفصيلة فيه وبكل ضيوفه وبصحافته.
اقتربت من الأمير وعرفته بنفسى فتذكرنى من السنين السابقة وطلبت أن يتم التقاط صورة لنا فطلب من الجميع أن تجمعهم الصورة، وزدت فطلبت منه لقاء خاصا فطلب منى بأدب جم أن أرتب الأمر مع مساعديه، لم يمتعض ولم يبد عليه الانزعاج غير أن الصحافة المغربية كانت ملكية أكثر من الملوك فقد كتب فى اليوم التالى: صحفية مصرية تتجاوز البروتوكول وتطلب حواراً مع الأمير...! فأعادتنى الصحافة المغربية ثانية إلى ما فطرت عليه من كراهية للسلطة وأهلها فزهدت فى حوار مولاى رشيد رغم ترحيب الرجل.
الحكاية الثالثة: أنا ومخ الضبع والأرجان
منذ سنوات فى زيارة لى للمغرب كانت لى تجربة لقاء مع أحد عرافى المغرب حكيتها فى حينها ولم أعاود التجربة ثانية، ولكنى فى تلك الزيارة لمراكش رغم أنى آليت على نفسى ألا أعيد التجربة فإنى بالغصب عنى التقيتها أثناء سيرى فى السوق العتيق فى جامع الفناء ذهبت إلى عطار يبيع البهارات والأعشاب والزيوت لأشترى زيت الأرجان السحرى الذى تنبت شجرته فقط فى بلاد المغرب، وشجرة الأرجان لمن لا يعرف هى شجرة تنمو بشكل إلهى وليس كما يقولون شيطانى، فالله سبحانه هو الذى ينبت كل شىء وليس الشيطان، هذه الشجرة يخرج منها زيت يعد أفضل الزيوت فى العالم وأصحها للطعام، والأهم أن هذا الزيت اكتشفت بيوت مستحضرات التجميل الفرنسية سره فى محو التجاعيد وإعادة الشباب للبشرة، ولذا أصبح القاسم المشترك فى كريمات إعادة الشباب، والزيت الخام غير المخلوط منه شديد الغلاء وموطنه المغرب.
المهم.. فى رحلتى وأنا أبحث عن زيت الأرجان التقيت بهذا العشاب كما يطلقون عليه فى المغرب، فنظر إلى وقال أنت من مصر، وطلب أن أدخل محله الصغير ليس بالضرورة للشراء، ولكنه فتح لى درجا فى خزانة عتيقة وكشف عن رأس حيوان، وقال لى هذا رأس الضبع الذى أخذت مخه وسحقته لأصنع منه تعويذة الخضوع، وسأعطيك منها نفحة بلا مقابل لأنك تحملين نوراً، ضحكت وقلت فى نفسى يا راجل نورك كفاية، ولكن الرجل أكمل كأنه حافظ مش فاهم، وحكى كيف أن مخ الضبع هو أقوى من أى سحر، من يحمله يؤتى القوة والسلطان، وأن كثيرا من الملوك والرؤساء العرب يلجئون إليه لإخضاع من يحيطون بهم، وحكى لى حكايات بالأسماء، وحين سألته عن الثمن قال: ملايين، ولكنى لن أحصل منك على شىء كما قلت لك، لأنك محاطة بالنور، وظل يقرأ على رأسى تعاويذ دفعتنى للتثاؤب المتكرر حتى انقطع نفسى فقررت الهروب متحججة بأنى سأعود فى اليوم التالى وقلبى يخفق والرجل يمد يده بتعويذة مخ الضبع، وأنا أؤكد له أنى سأعود وعقلى يقول بلا ضبع بلا قط يا عم روح...!
فى المغرب أنا أشعر بأنى أميرة ولا حاجة لى بمخ ضبع أو كلب، ولكنى حين عدت للقاهرة ضربت أم رأسى لأنى لم أحصل على مخ الضبع الذى ربما كان ساعدنى ضد قهر البشر لى وخيبة الحال وظلم الرجال.. ففى المرة القادمة إن كان فى العمر بقية لن أضيع الضبع أو مخه حتى على سبيل التجربة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة