محمد فهيم

لا تقطفوا الزهور

الجمعة، 24 ديسمبر 2010 06:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الشباب تلك البراعم التى لو ازدهر نماؤها لصارت الأرض حدائق غناءً تهنأ لها الحياة وتزدان بها الدنيا أو هو حبات اللؤلؤ المرصوص التى لو انفرط عقدها سقطت فى دروب الأرض تائه ضائعة وعندها يصبح الأمل فيه سرابا لا تجده حيث تراه وذاك لأن الشباب على مر الزمن كانوا وما زالوا شمس كل حضارة أينعت ونور كل عقل علم ووعى وأمل كل أمة كى تمتطى جواد السبق الذى إن وجد فارسًا يمتطيه ليطوى حلقات السباق يتخطى كل العوائق إلا علا وارتفع نجمه للسماء ليضىء بنوره الأرض.

وعلى مر التاريخ كان هناك شباب هم علامات اهتدت بهم البشرية وخرجت من ظلماتها فكان أنبياء الله جميعا عليهم الصلاة والسلام شبابا جابوا الدروب يطهرونها من ضلالات الشرك ويعلون حقيقة الإيمان بالخالق ويعلو الحق فوق الرءوس ولأنهم لا ينطقون عن الهوى فسوف نستعير من تاريخ العظام من الشباب أشخاصا عاديين فها هو هارون الرشيد الذى فتحت على يديه جل بلاد آسيا حتى حدود الصين وقف فى الفضاء يناجى مخلوقات ربه فوجد سحابة ممطرة فقال لها" أيتها السحابة أمطرى أنى شئتى فإن خراجك سوف يحمل إلينا "وهو ما اتهمه المخرفون بأنه كان صاحب لهو بينما وهو الشاب الفتى ابن الخلفاء كان يحج عاما ويغزو العام الآخر فى سبيل الله وامتدت رقعة الإيمان على يديه إلى أقاصى الأرض.

وهاهو القائد موسى بن نصير يجمع حوله قلوب الشباب فصاروا أسودًا للحق فعبر الشاب طارق بن زياد إلى الأندلس ونسى أن العمر لن يعاش مرتين وتذكر أن الخلود فقط فى الآخرة وحرق سفنه إيذانا بأنه لا عودة إما النصر وإما الشهادة فزرع بذرة الحق فى شبه جزيرة أيبريا فنمت وكبرت ونقلت النور إلى أوروبا ليتبدد به ظلام جهالتهم فى العصور الوسطى.. وهاهو عبد الرحمن الغافقى صاحب موقعة "بلاط الشهداء" أو "تور بواتيه " مع الفرنجة على مقربة من باريس عاصمة فرنسا ذلك الشاب الذى آثر أن يعلى كلمة الحق ويرفع أمر أمته ويقضى على جهالات الباطل فاستشهد هو وجيشه عن بكرة أبيهم وهاهو صقر قريش "عبد الرحمن الداخل" يعيد للأندلس وحدتها بعدما دب الخلاف وعلت نوازع الفتنة بين المسلمين.

ولما ضعفت الهمة لدى مسلمى الأندلس وخارت قوى الحق واندفعوا نحو نحور النساء يعاقرون الخمر ويتحدثون قبيح الكلام ونسوا قرآنهم الذى أحياهم ونست أقدامهم كيف يمتطون ظهور الجياد فتاهت معالمهم وتفرقوا فى عصر الطوائف ونال منهم عدوهم فأقبل الشاب يوسف بن تاشفين صاحب دعوة المرابطين فى المغرب العربى والأندلس فأعاد للأمر نصابه وانتشر العدل على يديه ثم جاء الشاب عبد المؤمن بن على بدولة الموحدين فاستمر نور الحق يجلو أمامه الباطل ويقهر أذنابه وأعوانه.

وكان القوط يتربصون يراقبون يدرسون يتآمرون وكل مرة يعودون أدبارهم لما كانوا يجدونه من شباب الأمة من عزم وقوة فذات مرة وجد أحد رجال القوط غلاما يبكى فقال له: ما يبكيك ياغلام؟ فقال له: كنت فى مسابقة لرمى السهام فأصبت تسعة رميات وأخطأت فى واحدة وأنا أبكى عليها.. فعاد لقومه وقال لهم لا قبل لكم بالمسلمين اليوم.

وبعدما ضعفت القوى وانهارت أمام شهوات الدنيا وبهجتها الزائفة وجد أحد القوط رجلا على شاطئ البحر يبكى فقال له: ما يبكيك يارجل؟ قال: منديل أهدتنى إياه حبيبتى طار منى فى البحر.. فعاد الرجل مسرعا وقال لقومه: هذا هو حال شيوخهم يبكون على مناديل محبوباتهم فما حال شبابهم فاليوم اليوم الآن الآن وكان أن أزيلت شأفة الإسلام من على أرض الأندلس.

وهناك أيضا من شبابنا العلماء الذين أبهروا العالم بعقولهم وابتكاراتهم التى كانت نقاط أعمدة الأساس لينطلق العلم إلى باطن الأرض ويشق السماء والنماذج كثيرة أن تحصى كانوا كلهم من الشباب.

واليوم كيف نرجو لأنفسا عزًا أو ازدهارًا أو نبنى مجدا نفاخر به بين الأمم وشبابنا ضائعا تائها غائبا عن الوعى أو قل مغيبا يولد ولديه الطموح ويحيا ونزرع فيه الأمل حتى يصير ثمارًا غضة وورودا زاهية وعند الحصاد نقذفها بالحجارة ونلقى فوقها الرماد فيضيع زرع السنين ويذبل فوق غصنه وتخور قواه حتى يسقط مغشيا عليه لا ندرى كيف ننقذه فنلقى به فى الطرقات تدوسه الأقدام ونلقى به وقودا للنار وكأنه لم يكن قطعة منا وكأنه لم يكن فى يوم ما أملنا المرجو وسعادتنا المنشودة.

كيف نرجو لأنفسنا عزا على يديه وجله ضائعا بين شم البودرة وشرب البانجو والحشيش يحلم بكل الملذات المحرمة يبحث عن فريسته فى كل مكان ليقتلها ويدمرها وهو غائب عن الوعى حتى إذا أفاق تناسى أنه صار من عتاة المجرمين ليزيد فى جهله وغيه ولا ندرى إلى كيف يصير وأين نسير نحن معه.. والباقى من شبابنا منه من التزم وحاول وكافح ليرفع ذكر أمته حتى تنسب إليه وقت ذكر الخالدين إلا أننا بنينا أمامه الجدران العازلة فتحطمت أحلامه أمام الصخور فسقط منا عمدا ليس سهوا فهو إن وجد العمل لم يجد الأجر والحافز والتشجيع وإن فكر يوما فى حاجاته للتواصل مع نصفه الآخر طعناه فى حلمه بخناجر الشقة والشبكة والمهر والعفش.

فكيف نرجو لأنفسنا عزا على يديه وقد سلبنا منه الفرحة بغد مشرق فتاه منا بين غربة فى بلاد الله حتى إذا عاد لم نجده يحلم للوطن بل يحلم لأرض أخرى أعطته من خيرها وضمته لصدرها فصار ولاؤه لترابها وكره كل ما يذكره بوطن وئدت فيه أحلامه وماتت فيه نفسه.

فأرجوكم لا تقطفوا الزهور بل راعوها وكبروها ولا تجعلوا غيركم يحصد ثمارها.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة