◄◄ الفقهاء والسياسيون يطالبون الحكومة بإعلان إدانتها لمثل هذه الفتاوى التى تهدد المجتمع والدولة
«إنى أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإنى لقاطفها» هكذا لخص الحجاج بن يوسف الثقفى فى القرن الأول الهجرى الحل العبقرى للتخلص من المعارضة، بحجة الحفاظ على استقرار الدولة، وظل هذا النهج مستمرا يخفت فى أوقات ويظهر فى أوقات لكنه لم يختف نهائيا، وها هو يعود للظهور بقوة فى نهاية عام 2010، بعدما أفتى الشيخ محمود عامر، أحد دعاة السلفية وأحد قيادات جماعة أنصار السنة المحمدية بمحافظة البحيرة، بقتل الدكتور محمد البرادعى، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الحائز على جائزة نوبل للسلام، بتهمة التحريض على عصيان نظام الرئيس مبارك، لكونه يثير «الفتن بدعوة الشعب إلى العصيان».
ربما تختلف مع دعوة البرادعى سياسياً، لكن أن يصل الخلاف إلى الدعوة للقتل باسم الدين، فهذه بداية لتحول العمل السياسى إلى حمامات من الدم، كما حدث فى عصور كثيرة، لكن رد كبار علماء الأزهر على هذه الفتوى ووصفها بـ«الطائشة والقديمة فقهيا، والتى لا يستبعد فيها شبهة «المصلحة»، ينبئ بأن هذه الدعوات حالات فردية ستطيش فى الهواء.
الدكتور عبدالمعطى بيومى، عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية أصول الدين الأسبق، وصف الفتوى بأنها فتوى طائشة ومخطئة، قائلا: «هذه ليست فتوى، لكنها رأى شخصى، لأنه لا يجوز أن تكون هناك فتوى بالقتل وأنصار السنة المحمدية، كما يسمون أنفسهم، تعودنا منهم ألا يفتوا، والالتزام بالسنة يقتضى إمساك اللسان عن الإفتاء بقتل أحد لأن الإفتاء بقتل أى شخص يؤدى إلى التقاتل بين الناس، وهذا يؤدى إلى العنف المتبادل، ونحن نحرص على معرفة ديننا الذى يقوم على السلام وعلى الجدال بالتى هى أحسن، وإعطاء الحقوق إلى أصحابها، ومعرفة كل إنسان أيا كانت مسؤوليته للحق والواجب، فيؤدى الواجب ويأخذ حقه حاكما ومحكوما، ولو عرفنا الحقوق والواجبات لكان ذلك أفضل بدلا من التسرع والطيش بالفتوى».
الدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، قال إن مطلق الفتوى لايزال يعيش فى الفقه القديم، والذى يرى فيه أن الحياة سلطوية أو خلافية من الخليفة الآمر الناهى، ونسى أن المجتمع تحول إلى ما يعرف بحياة الديمقراطية، وهى تعنى أن يحترم كل إنسان أخاه، وأن يتم حكم الشعب بالشعب، والمسألة فيها حرية للجميع، فلا يصح أن يكون لأحد سلطان على أحد، وكونه يتهم أحدا من الناس بإثارة الفتنة والبلبلة كأنه نسى دور رجال المخابرات وأمن الدولة وهذا الجهاز الذى نثق فيه وقدرته الفائقة، فهل يرضى أن يتهمه أحد من الناس بمثل ما اتهم به غيره؟.
وأضاف الهلالى أن تلك الفتوى افتئات على ولى الأمر، ويجب ترك المسألة لولى الأمر يتخذ الأمر المناسب، مطالبا أهل الفقه والدين بأن يكونوا دعاة سلام وأمن ورحمة وبر وصلة وليس إثارة أحد على أحد، مضيفا أن الوطن خط أحمر، والمجتمع رقم واحد فى المسؤولية، لكن العالم كله متوجه الآن إلى الحرية والتعبير الآمن والديمقراطية الآمنة وليست الديمقراطية الفاتنة، وقال: «الحمد لله مصر تعيش تحت الديمقراطية الآمنة».
كما طالب هلالى الدعاة بأن ينصرفوا إلى الدعوة، وإلى ما أجمع الفقهاء عليه، وهو الدعوة إلى الصلاة والزكاة، وحث الناس على ترك الفحشاء والمنكر، والدعوة إلى العمل والإنتاج، وترك البطالة، والبعد عن محل الخلاف، والالتزام بالقاعدة الفقهية «لا إنكار فى المختلف فيه وإنما الإنكار فى المجمع عليه»، وهذه القاعدة تنادى الدعاة وتنادى الخطباء وأهل العلم والمنابر ألا يتخذوا منابرهم فى الدعاية لفقيه دون آخر، وإنما يتخذون تلك المنابر لدعوة الناس إلى المعروف المجمع عليه، وإلى ترك المنكر المجمع عليه، أما محل الخلاف الفقهى فلا يجوز أن يكون مادة للخطابة، ولا يجوز أن يكون مادة للوعظ ولا للإرشاد، فهذا مجاله القضاء.
من ناحيته قال حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن فتوى الشيخ السلفى محمود عامر لا تعد فتوى دينية ولكنها تحريض على القتل، مشددا على أن الشيخ أقحم الدين فى العمل السياسى، واصفا تحريض الشيخ السلفى للمسلمين على د. محمد البرادعى بالقتل بـ«الجريمة» التى تحرض الناس على ارتكاب فعل مخالف للقانون باستخدام الدين.
وأكد أبوسعدة أنه ليس من شأن رجال الدين أن يعملوا بالسياسية، قائلاً: «هذا رجل دين ليس من حقه الدخول فى الشأن السياسى المصرى»، موضحا أن القانون المصرى موجود ويقف فى وجه من يخالف الدستور، لافتا إلى أن هذه الفتوى التى تبيح قتل البرادعى تغتصب حق الرئيس مبارك والمحكمة والقانون فى معاقبة من يخالف القانون والدستور.
واستبعد رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وجود أبعاد سياسية لفتوى الشيخ السلفى محمود عامر، مرجعاً خروج هذه الفتوى فى هذا التوقيت الذى يشهد نشاطا للجمعية الوطنية للتغيير لسعى الشيخ السلفى لمغازلة الحكومة المصرية ليحصل على منصب من خلال فتواه.
ودعا أبوسعدة المجتمع المصرى إلى رفض مثل هذه الفتوى التى تبيح دماء المواطنين، موضحاً أن الحكومة المصرية لا يمكن أن تقبل بهذه الفتوى، لأن هذه الفتاوى سبق أن قتلت الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات، مؤكداً أن القبول بهذه الفتوى يسمح بعد ذلك بقتل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأى مسؤول قد يغضب منه الشيوخ.