على الرغم من أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل مر عليها 31 عاما، فإن تل أبيب لم تحترم سيادة وسلامة الأراضى المصرية، فلا تزال تصنع وتدبر مؤامرات لتهديد الأمن القومى المصرى عبر جواسيس تزرعهم فى مجالات مختلفة بين حين وآخر، ولعل الشاهد على ذلك ما ذكره اللواء عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية «أمان»، ونقلته صحيفة كل العرب الإلكترونية يوم 3 نوفمبر الماضى أن «مصر هى الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية، وأن العمل فى مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979». مضيفا أن «إسرائيل أحدثت اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية فى أكثر من موقع، بل نجحت فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة ومنقسمة إلى أكثر من شطر لتهديد المجتمع المصرى».
37 يوما فارقة بين تصريحات يادلين عن زرع جواسيس فى مصر، وبين إعلان المستشار طاهر الخولى، المحامى العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا، أمس الاثنين، عن قضية تخابر هامة بطلها جاسوس هام من طراز رفيع استغلته إسرائيل كمصدر رئيسى لها فى الحصول على معلومات تتعلق بقلب مصر.
الجاسوس المصرى فى القضية التى تم الإعلان عنها التقى بضباط فى الموساد الإسرائيلى فى عدة دول أوروبية، وتلقى تدريبات عن كيفية التجسس، واستخدام أجهزة تنصت عالية الجودة فى نقل المعلومات من مصر إلى إسرائيل دون أن ينفضح أمره، إلا أن الأجهزة ألقت القبض عليه بعد أيام طويلة من المراقبة المكثفة.
الموساد يتعامل مع مصر مستخدما مثلا صينيا قديما وهو «لا تضع البيض كله فى سلة واحدة»، بمعنى ألا تدفع بجواسيس فى قطاع واحد فقط، وهو الظاهر من أن إسرائيل لم تعد تهتم بالتجسس العسكرى على مصر بداية من مناطق تركز الجيش المصرى أو قواعد الصواريخ ومراسى السفن، مثلما كان فى الماضى، بل تطورت استراتيجية التجسس الإسرائيلى لتشمل الحياة المدنية بكل قطاعاتها، بداية من توافر السلع الغذائية، وراتب المواطن المصرى، وشكواه من ارتفاع الأسعار، والحراك بالشارع السياسى، وصراعات الأحزاب فى الانتخابات البرلمانية، بالإضافة إلى قصص النميمة عن دوائر رجال الأعمال وجمعياتهم والتطلعات الاقتصادية داخل وخارج مصر، واتجاهات مشاريعهم المختلفة، وكذلك كل ما يتعلق بالطاقة والبترول والمحطة النووية المصرية، وبراءات اختراع شباب الباحثين فى المعاهد البحثية المختلفة.
إسرائيل تعتمد فى اختراقها للحياة المدنية المصرية على ثغرات تدفع من خلالها الجواسيس، حيث استغلت السياحة كثغرة قوية للتجسس، على أساس أن مصر تضم ثلثى آثار العالم، ومقصد للسائحين من جميع أنحاء الكرة الأرضية، فضلا عن أن اتفاقية كامب ديفيد تمنح الإسرائيليين حق دخول سيناء بدون جوازات سفر أو تأشيرات لمدة أسبوعين، وألقت الأجهزة الأمنية عام 1985 القبض على شبكة تجسس إسرائيلية تضم 9 أفراد من الموساد ضمن أحد الأفواج السياحية أثناء تصويرهم للقناة ورسم خرائط لمداخلها ومخارجها.
وفى واقعة تجسس أخرى بمجال السياحة، ألقت الأجهزة الأمنية القبض عام 1990 على أحد المصريين، ويدعى إبراهيم مصباح عوارة، لاشتراكه مع ضابط من الموساد فى تحريض فتاة مصرية تدعى «سحر» على التخابر ضد مصر غير أن «سحر» رفضت التجسس، وأبلغت الأجهزة الأمنية بمحاولة تجنيدها، وتم إلقاء القبض على الجاسوس، وصدر بحقه حكم بالسجن 15 عاما.
الفكر الجديد لتجسس إسرائيل على مصر بعيدا عن الميدان العسكرى تجسد فى شبكة «المصراتى» التى تم الكشف عنها عام 1992, والتى تضم 4 جواسيس، هم صبحى مصراتى وأولاده ماجد وفائقة، وديفيد أوفيتس، حيث اعترفت فائقة مصراتى فى التحقيقات التى أجريت معها أن الموساد جنّدها للعمل لديه لجمع معلومات عن شخصيات عامة فى مصر، مضيفة أنها اعتمدت على جمالها لإقامة علاقات مع الشبان المصريين شاغلى المناصب الحساسة فى الدولة، وبالتالى تجميع قدر أكبر من المعلومات وإرسالها إلى إسرائيل.
تركيز إسرائيل على المجال النووى المصرى والطاقة المصرية تعكسه قضية محمد سيد صابر، الشهير بالجاسوس النووى، والذى التقى اثنين من ضباط الموساد فى هونج كونج، وأمدهما بأوراق ومستندات سرية تتعلق بخطة مصر فى المجال النووى، ووثائق تتعلق بمفاعل «أنشاص» المصرية مقابل مبالغ مالية كبيرة. كما أن عزام عزام كان واحدا من أهم الجواسيس الإسرائيليين الذين تم ضبطهم فى السنوات الأخيرة، والذى جمع معلومات اقتصادية عن المصانع الموجودة فى المدن الجديدة مثل مدينة 6 أكتوبر والعاشر من رمضان، ونسبة التنمية والنشاط والحركة الاقتصادية بما يعطى إسرائيل التفاصيل الكاملة لخريطة التنمية.
السودان ومنطقة حوض النيل هدف آخر من أهداف الجاسوسية الإسرائيلية، باعتبار أن السودان يمثل محطة هامة من محطات نهر النيل، حيث لعبت إسرائيل دوراً فى دعم انفصال الجنوب عن الشمال عبر لوبى لدعم الشبكات المسلحة.
ويبقى محمد عصام العطار دليلا على أن تجسس إسرائيل لا يقتصر فقط على مصر بحدودها الجغرافية، بل يتعدى إلى المصريين المقيمين بالخارج.
ولاتزال أنشطة التجسس الإسرائيلية مستمرة على مصر وآخرها الشبكات التى أعلن عن ضبطها وتحققها نيابة امن الدولة العليا بإشراف المستشار عبد المجيد محمود النائب العام