بالصدفة كنت أشاهد فيلما بريطانيا مساء أمس، وأذيع من خلاله لقطات من المؤتمر الأول لحزب العمال البريطانى الذى اختار تونى بلير لزعامة الحزب وخوض الانتخابات العامة فى بلاده ضد رئيس الوزراء المحافظ جون ميجور، وخصص بلير الكثير من حديثه لحزبه وللبريطانيين عن التعليم الذى اعتبره أولية قصوى لحزبه وحكومته.
وفى الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكى باراك أوباما كان موضوع تطوير التعليم أحد القضايا الرئيسية إلى جانب الاقتصاد والرعاية الصحية.. وتقريبا لا يصل حزب سياسى إلى الحكم فى العالم المتقدم دون أن يمتلك رؤية حديثة لتطوير التعليم فى بلاده.
وحينما يطرحون فى الغرب قضية تطوير التعليم لا يعنى ذلك بالضرورة أنه متخلف، لكن ذلك يعنى استجابة السياسيين للتطورات المتسارعة فى الحياة، فى كافة العلوم، وفى الدراسات العلمية والاجتماعية الدائمة حول طرق التدريس ومدى ملائمتها لاستيعاب التطوات الحديثة فى الواقع المجاور.
أما فى مصر فيرتبط موضوع التعليم دائما برؤية واجتهاد وزير التعليم الشخصى، وأتذكر جيدا حين كنت فى الصف الأول الثانوى بمدرسة المحلة الكبرى الثانوية عام 1977، تم تغيير منهج اللغة الإنجليزية.
ولأول مرة فى مصر لم تكن المادة عبارة عن دروس يتم حفظها وتأتى أسئلة الامتحانات مباشرة مما حفظناه، وإنما منهج يحتوى العديد من الموضوعات العامة، وفى كل موضوع الكثير من المعلومات وقواعد اللغة وغيرها بشكل غير مباشر، لذلك كنا نتساءل كيف سيأتى الامتحان، وليس لدينا ما نحفظه؟
كان هذا منذ 33 عاما، وبمثابة تجربة جديدة فى مادة واحدة، على أن يجرى تطوير المناهج كافة بعد ذلك، ليصبح التعليم وسيلة للمعرفة وتوسيع المدارك، وتنمية الثقافة الشخصية لدى التلاميذ لكنّ أياً من ذلك لم يحدث وانشغل كل وزير فى تطوير شكلى، وإلغاء ما قام به الوزير الذى سبقه.
بدأ فتحى سرور وهو وزير التعليم مرحلة تطويره الشخصى للتعليم بإلغاء السنة السادسة من التعليم الابتدائى، وأصبح التعليم الأساسى 8 سنوات فقط، ونشأت مشكلة الدفعة المزدوجة التى أرهقت الجامعات بعد ذلك.
وحين جاء حسين كامل بهاء الدين أعاد السنة التى ألغاها فتحى سرور فظهرت مشكلة جديدة اسمها السنة الفراغ، ثم قرر جعل امتحان الثانوية العامة على سنتين بدلا من سنة واحدة، فتوحشت الدروس الخصوصية اكثر وأكثر.
وحين جاء يسرى الجمل قرر تعديل امتحان الثانوية العامة، واعتماد التقويم الشامل، لتصبح درجة الثانوية العامة هى محصلة السنوات الثلاث فى المرحلة الثانوية، ثم جاء أحمد زكى بدر فقرر التقدم لمجلس الشعب بمشروع قانون لإعادة امتحان الثانوية العامة فى السنة الثالثة الثانوى فقط، وحين يأتى وزير تعليم جديد بعد زكى بدر ربما يعيد امتحان الثانوية إلى سنتين أو ثلاث حسب مزاجه!
هكذا يبدو تطوير التعليم عندنا مجرد خطوات وإجراءات تهتم بالشكل أكثر من المضمون، ويسعى كل وزير إلى تغيير ما قام به سلفه، ليحدث تغييرا يسجل باسمه دون دراسة أو حتى أهمية لهذا التغيير.