فاطمة ناعوت

كاهنُ إيطاليا ومتأسلمو مصرَ!

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010 05:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى نوفمبر 2007، وتحت عنوان «كنيسة إيطالية تتحول إلى مسجد كل يوم جمعة»، نشرت صحيفتان إيطاليتان واسعتا الانتشار خبرًا يقول: «كاهنٌ إيطالىّ قرر فتح أبواب كنسية سانتا ماريا أسونتا التى يرعاها، بإحدى مدن شمال إيطاليا، أمام المسلمين لأداء صلاة الجمعة، بسبب عدم وجود مسجد فى تلك المنطقة. جزء من مبنى الكنيسة، يتحول إلى مسجد كل يوم جمعة، يتوافد عليه 200 مسلم للصلاة، قادمين من مناطق مختلفة. وبرر الكاهن دون ألدو دانيلى قراره بأنه نابع من رغبته فى توطيد التلاقى بين الثقافات والأديان وتعزيز سبل اندماج الجالية المسلمة المقيمة فى تلك البلدة، مع سكانها الأصليين. ويبلغ عدد مسلمى إيطاليا حوالى مليون مسلم، 5% منهم فقط من أصل إيطالى».

انتهى مضمون الخبر. وأفهم هذا جيدًا. ولا يدهشنى. يدهشنى فى المقابل، قانونٌ مجحف عنيد لا يزال مُصِّرًا على منع تشييد كنيسة فى مصر إلا بموافقة مباشرة من رئيس الجمهورية! رغم أن تعداد مسيحيى مصر يفوق 12% من مواطنيها! وحتى عام 1999 كان مجرد ترميم أى جزء تالف من كنيسة، ولو كان حائطًا وشيك السقوط فوق رأس الناس، لا يتم إلا بعد موافقة مباشرة من أعلى سلطة سيادية فى البلاد. وحتى بعد تصديق الرئيس يحتاج الأمر إلى سلسلة لا تنتهى من التوقيعات والموافقات الأمنية (كأن المطلوب بناؤه قاعدة حربية أو نووية مثلا!). وفى المقابل يُعفى مالكُ برجٍ سكنىّ من الضرائب مدى الحياة لو وضع أسفله زاوية لصلاة المسلمين. ولو وصل عدد طوابق البرج ثلاثين طابقا!! لن أخوض فى حقائق تاريخية معروفة مثل أن مصر فى أساسها قبطية، وأن كلمة Egypt مشتقّة من الأصل Coptic أى قبطيّ. ولن أضيف جديدًا حين أقول إن مسلمى مصر الراهنين ليسوا، فى أصلهم، إلا عربًا فاتحين دخلوا البلاد مع جيش عمرو بن العاص، أو فى أفضل الأحوال مسيحيين آمنوا بالدين الجديد، أو مسيحيين فقراء هربوا من الويل والتمييز العنصرى لهم فى البيع والشراء فى الأسواق والتضييق عليهم فى الحياة، أو عجزوا عن دفع الجزية فأسلموا. تلك الجزية الضخمة التى فرضها عليهم عمرو بن العاص تطبيقًا للآية رقم 29 من سورة «التوبة» التى تقول: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرم اللهُ ورسوله ولا يدينون دينَ الحقّ من الذين أوتوا الكتابَ حتى يعطوا الجزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون».

كان العرب، في مصر وغيرها من البلاد التي فتحوها، يضعون أمام أهالى البلاد خيارات ثلاثة: الإسلام - الجزية - الحرب. ومَن تمسّكوا بعقيدتهم من المصريين ولم يدخلوا الدين الجديد، كان يُعلّم على أجسادهم وأثوابهم وأبواب بيوتهم بعلامات تفيد أن نصرانيًّا يقطن هذا البيت! وقد بلغ من احتقار العرب للمصريين (أصحاب البلد) أن قال معاوية بن أبى سفيان: «وجدتُ أهلَ مصرَ ثلاثةَ أصناف: فثلثٌ ناسٌ، وثلثٌ يشبه الناسَ، وثلثٌ لا ناس. فأما الثلث الذين هم ناسٌ فالعرب، والثلث الذين يشبهون الناس فالموالى؛ أى من أسلم من المصريين، والثلث الذين لا ناس فالمسالمة أى القبط»!!! ورد هذا حرفيًّا فى كل من: «مروج الذهب»، المسعودى، ص 311، «المواعظ والاعتبار»، المقريزى، ص 56. وفى ذات المرجع، المقريزى ص 43، يقول: «أهل مصر يغلب عليهم الدعة والجبن والقنوط والشح والرغبة فى العلم وسرعة الخوف والحسد والنميمة والكذب والسعى إلى السلطان وذم الناس بالجملة...»!!!!

لن أعيد الكلام عن البند الثانى فى الدستور المصرى، الذى يحاول مثقفو مصر تعديله منذ دهر دون فائدة، ويقول إن مصر بلد إسلامى بما يعنى أن كل مواطن مسيحى هو، بالتبعية، مواطن من الدرجة الثانية. ولا الكلام حول مطالبتنا، نحن المثقفين التعساء، بإلغاء خانة الديانة فى بطاقة الهوية المصرية، أسوةً بكل بلدان العالم. إذ البطاقةُ القوميةُ إن هى إلا عقدُ مواطَنة بين المواطِن ودولته لا شأن له بالعقيدة. ولن أتعجّب من كون مبانى جامعة الأزهر تُشيّد من ضرائب يدفعها مواطنو مصر من مسيحيين ومسلمين، ثم يُحرّم دخولها على غير المسلمين! ولن أحكى عن عراكنا من أحد الدعاة المتطرفين حين قال إن العقيدةَ الدينيةَ شرطٌ للمواطَنة! ولما قلنا له كلامك يا مولانا يعنى أن المسلم الأفغانى له حقُّ المواطنة بمصر أكثر من المصرى القبطى! قال نعم!!!

«الدينُ لله والوطنُ للجميع» هو الشعار الذى رفعته ثورة 19، حكومةً وشعبًا، حين كانت مصر راقيةً وأكثر تحضرًا ووعيًا، مما غدت عليه الآن من ظلام وأحادية ورجعية. حين كانت خلوًا من مثل هؤلاء الغُلاة الذين يفتتون أوصال الوطن ثم يتعجبون من نشوب فتنة طائفية «غير مسبَّبة(!)». فأما الدينُ، فلله لم يزل، فهل الوطنُ مصرُ للجميع؟

لن أجادلَ فى كل البديهيات السابقة لأننا تعبنا حقًّا من المجادلة والعراك بشأنها. لكننى سأجرّد الأمر دون الخوض فى تفاصيل. كيف أمنع نفسى من الدهشة أن يأتى علينا حينٌ من الدهر يكون بناء نادٍ ليلى أو ملهى للترفيه أيسر من بناء دار عبادة، أيًّا كان اسمُها؟

شهدتُ مثل هذا الأمر بنفسى. أسكن فى حىّ يضم مساكن لأفراد من جاليات أوروبية من أساتذة الجامعات والأطباء والعلماء وأسرهم. يعنى نسبة المسيحيين به لا يُستهان بها. يوجد بها، حتى الآن فقط، سبعة مساجد ضخمة فخمة. وحين فكر البعض فى بناء كنيسة واحدة وحيدة لمسيحيى الحى من مصريين وأجانب، ثارت الثائرةُ وانتفض القوم! ولم تتم الموافقة إلا بعد بيان استنكارى هدد فيه المسيحيون بالانسحاب من المدينة إن لم تُبنَ لهم كنيسة. وكان لهم ما أرادوا بعد عذاب سنوات طوال شهدتُه بنفسى وعاركتُ فيه، على أن تلك الكنيسة الوحيدة، لم تزل مشرعةً كهيكل خرسانىّ شاغر حزين غير مُفعّل، لسبب مجهول يعلمه الله وحده!

وبعمل تجريد جديد أقول إن الفارق فى الوعى بين «فرد واحد» هو ذلك الكاهن الإيطالى الجسور، وبين «مجموع ضخم» يمثّل الحكومة المصرية بدستورها الجائر، وبعض دُعاتها الغُلاة، وقسمٍ لا يُستهان به من القاعدة الشعبية، هو الفارق الحضارى والفكرى والوجودى بين دولة مدنيّة متحضرة، وبين دولة من العالم الثالث. حتى وإن سبقت تلك الدولةُ النامية التى اسمها مصرُ، أختَها المتحضرة المدنية، إيطاليا، بآلاف السنين على سلّم الحضارة والتمدن حين كان اسمها مصر، دون تعريف «عربية». طرفةٌ رياضية أن يكون وعى «فرد» أعلى من «محصّلة وعى مجموع»! لا أخفيكم يا أصدقائى، لقد شعرتُ بالغيرة من هذا الكاهن!






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة