لاشك أن هناك جهوداً مضنية يبذلها رجال الشرطة من أجل مكافحة تهريب المخدرات والإيقاع بمن يتاجر فيها، إلا أن هناك شبه اتفاق على أن أى شرطة مهما بلغت كفاءة رجالها فإنها لا تستطيع أن تضبط سوى 10 – 15 % من كمية المخدرات المهربة، والباقى يجد طريقه إلى داخل البلاد، لذا فإن قضية مكافحة المخدرات ليست مهمة الشرطة وحدها ولكنها مهمة المجتمع ككل بدءاً من الأسرة، والمدرسة، والجامعة، والنادى، والصيدلية، والإعلام، والمسجد، والكنيسة وغيرها.
ولقد هالنى فى الفترة الأخيرة هذا الانتشار الرهيب للأنواع المختلفة من المخدرات والمنبهات والمواد التى تسبب الوقوع فى براثن الإدمان، مثل:
- المثبطات والمواد المسببة للاسترخاء مثل: الكحول، بنزوديازيبن(أبو صليبة)، الباربيتيورات، والميثاكوالون، أوراق الحشيش والبانجو ومستخلصاته، وكذلك الأفيونات ومشتقاتها مثل: (الهيروين، المورفين، بيثيدين، مونوأسيتيل مورفين، ميثادون، كودايين فوسفات الموجود فى بعض أدوبة الكحة، بذورنبات الخشخاش(الأفيون).
- المنبهات والمنشطات مثل: (الأمفيتامينات - الآيس (ميث أمفيتامين) - ريتالين(ميثيل فيناديت) - الإكستازى MDMA - مثيلين ديوكس ميثأمفيتامين إفدرين - سودو إفدرين- الكوكايين والكراك - النيكوتين والكافيين.
- المواد المسببة للهلوسة مثل: (عقار الهلوسة LSD، عش الغراب السحرى MagicMushrooms، مسكالين).
ولأن أكثر الأنواع المسببة للإدمان الآن وعلى مستوى العالم هو الحشيش والبانجو، لذا فسوف نبدأ بهما، وسوف نستعرض بقية المواد تباعاً بعد ذلك، فالبانجو هو أحد الأسماء التى تطلق على الأوراق الجافة وأحياناً الزهور لنبات "القنب" الذى يطلق عليه بالعامية الإنجليزية Hemp، أما الاسم، العلمى له فهو Cannabis Sativa والبانجو أو الماريجوانا لها أكثر من 200 اسم آخر تختلف من دولة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر، وكلها تشير إلى نفس النبات المخدر الذى يحتوى على أكثر من 400 مركب كيميائى، ومادة سامة مسرطنة.
وأهم مادة فعالة فى البانجو والحشيش هى مادةTHC وهى تشير إلى Tetrahydrocannabinol، وهى المادة التى تؤثر على الحالة النفسية والعصبية للمدمن، وتؤدى إلى تغيرات فى مزاجه وسلوكه، وتركيز هذه المادة هو الذى يحدد جودة ونوعية هذا المخدر بالنسبة للمدمنين، فيمكن أن يختلف تركيز هذه المادة المخدرة من شجرة إلى أخرى، حسب عوامل كثيرة منها نوعية البذرة، وحالة الجو، واختلاف التربة، ووقت الحصاد، وغيرها من العوامل الأخرى التى يمكن أن تؤثر على جودة أى نبات مشابه.
والبانجو الذى يستخدم هذه الأيام، به من تركيز هذه المادة ما يفوق تركيزه الذى كان يستخدم فى فترة الستينيات بعشر مرات، مما يسبب خطورة حدوث الإدمان من تعاطيه، والتعرض لمضاعفات إدمانه، بشكل أسرع مما كان يحدث فى الماضى.
وكلمة "الماريجوانا" هى فى الأساس كلمة مكسيكية، أتت فى أواخر الثلاثينيات إلى الولايات المتحدة، عندما كان الجنود المكسيك يدخنون أوراق وزهور هذا النبات "القنب"، الذى كان يزرع ويستخدم لأغراض طبية وصناعية، فقد كان يصنع من سيقانه وجذوره وأليافه الورق، وألياف القمصان التى لا تتأثر بالاسبراى الذى يتم رش السفن به بالنسبة للبحارة، لأنه لا يتأثر به، وغير ذلك من الأغراض، وحتى اليوم فأزهار وبراعم وأوراق نبات القنب، هى فقط التى يحرم على الإنسان اقتناؤها ويجرم لذلك قانوناً، أما بقية أجزاء شجرة القنب Hemp أو Cannabis Sativa، فلا يجرم الإنسان مثلاً لوجود بقية الأجزاء الأخرى عنده، غير تلك التى ذكرناها، ولكن من الناحية العملية لا يمكن للإنسان أن يقتنى النبات، دون أن يقتنى أوراقه وبراعمه وأزهاره، وبالتالى فوجوده يشير إلى وجود تلك النباتات المخدرة التى يعاقب عليها القانون.
والحشيش وزيت الحشيش وما يسمى "سينسيميلا"، تعد أشكال أقوى من البانجو، من حيث تركيز المادة الفعالة بها، والحشيش يصنع بأخذ المادة الصمغية الراتنجية من براعم وأوراق وأزهار الشجرة الأنثى لنبات القنب Cannabis Sativa، ووضعها على شكل عجينة أو قوالب، ومعظم الحشيش المتداول فى الأسواق هذه الأيام يصنع من الحناء مضافاً إليها بعض من الأقراص المخدرة بدلاً من المادة الفعالة THC المخدرة التى من المفروض أن تحتوى على 5 – 10 مرات أكثر مما يحتويه البانجو، وأحياناً تزيد هذه النسبة لتصل إلى ألف مرة زيادة عن تركيزها فى البانجو، وحقيقة الأمر أن هذه المادة لا يمكن الحصول عليها فى صورة نقية تماماً، إلا من أجل أغراض البحث العلمى فقط، لأن استخلاصها فى صورتها النقية مكلف جداً، وغير عملى، والحشيش عموماً تتراوح نسبة المادة الفعالة فيه THC ما بين 3 – 10%.
والحشيش يجعل الإنسان يشعر بأنه خلاّق، ومبدع، وملك، أو فيلسوف، وربما تنهال عليه الأفكار التى لا يلحق على متابعتها نتيجة لضعف تركيزه، وقد يحب سماع الموسيقى ويشعر بها، ويشعر بنوع من الاسترخاء، وتزيد شهيته للأكل والشرب، وكل هذا يحدث بالنسبة للإنسان المستجد فى تعاطى الحشيش، أما عن المضاعفات والأعراض الجانبية فهى البطء، وفقد سرعة رد الفعل، وفقد الإحساس بالوقت، والشعور بالتعب والنسيان، واحمرار العينين، والغثيان، والكحة، والصداع، والزغللة، وزيادة ضربات القلب، وحدوث تغيرات مزاجية واكتئاب على المدى الطويل.
والحقيقة أن انتشار البانجو قد أصبح ظاهرة تستحق الدراسة، ويجب التصدى لها بكل الوسائل، وفى شتى أنحاء العالم، وذلك لرخص ثمنه نسبياً عن الحشيش، ولسهولة الحصول عليه، وحتى زراعته أصبحت متاحة داخل حدائق وأسطح المنازل، ولأن الغالبية العظمى من مدمنى هذا النوع من المخدرات، هم الشباب فى سن المراهقة من طلبة المدارس والجامعات.
أما عن الأضرار الصحية للبانجو فالمادة الفعالة فيه هى مادة THC وتتراوح نسبتها ما بين 01, 0% و10 %، أى أنها يمكن أن تكون مختلفة من نبات إلى آخر بنسبة ألف مرة، وبالتالى يختلف تأثير البانجو من شخص إلى آخر بناءً على نسبة هذه المادة فى النبات، وأيضاً صحته العامة ومناعته، وكذلك إن كان مدمناً أم أنه يتناول هذا المخدر لأول مرة، والبانجو من المواد التى تمتص وتذاب فى الدهون Fat Soluble، وبالتالى فإنه يختزن فى الخلايا الدهنية الموجودة فى كل من المخ، والكبد، والرئة، والجهاز التناسلى، وفى كل الدهون الموجودة فى الجسم، فكل هذه الأجزاء من الجسم محاطة بأغشية من الدهون، ومن خلال هذا التراكم للمادة الفعالة فى البانجو داخل الدهون الموجودة فى كل أجزاء الجسم، تحدث المضاعفات المتعددة فى كل عضو، خاصة مع الوصول إلى حالة الإدمان، وتعاطى البانجو بصورة يومية ومستمرة، حيث إن تعاطيه يؤدى إلى الإدمان وبسرعة.
ولعل تراكم البانجو فى الأنسجة الدهنية فى الجسم هو السبب فى إمكانية اكتشاف وجود البانجو وتعاطيه فى جسم الشخص المتعاطى لعدة أيام بالنسبة للشخص غير المدمن، ولعدة أسابيع بالنسبة للشخص المدمن، بعد التوقف عن تعاطيه، ويمكن اكتشاف ذلك من خلال التحاليل.
والبانجو مثل الحشيش يدخن بدون فلتر، وحتى النهاية، والدخان يصل إلى الرئة، ويبقى داخلها لعدة ثوان مع كل نفس يأخذه المدمن، وهذا الدخان يحتوى على العديد من المواد السامة، مثل أول أكسيد الكربون، ومادة "نيتروز أمين"، ومادة بنزوبيرين" و60 مادة أخرى من مكونات شجرة "القنب" السامة، وكل هذه المواد تهيج الجهاز التنفسى، وأغشية الرئة، وهى مسرطنة من الدرجة الأولى، وتسبب سرطان الرئة، هذا بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسى الأخرى، مثل التهاب الحنجرة، والشعب الهوائية، وحشرجة الصوت، والالتهاب الرئوى، والإمفزيما، وغيرها، وتدخين البانجو أثناء الحمل يسبب ولادة أطفال مبتسرين، وقبل موعدهم، وناقصى الوزن، وقد أظهرت الأبحاث أن تدخين البانجو عند كل من الرجال والنساء يفقدهم الخصوبة، مما يجعل لتدخين البانجو فى سن المراهقة عند كل من الأولاد والبنات، أخطار وأضرار شديدة، قد تصاحبهم بقية عمرهم، وهم الشريحة العمرية التى تمثل الغالبية العظمى من مدخنى البانجو، كما يؤثر البانجو على الهرمونات فى كل من الذكر والأنثى، ويقلل من الاستمتاع بممارسة الجنس، وقد يسبب ارتباكاً فى مواعيد الدورة الشهرية، وتأخير البلوغ عند كل من الأولاد والبنات إذا تعاطوه قبل أن يصلوا إلى مرحلة البلوغ.
تدخين البانجو يؤدى إلى حدوث تأثير سلبى ومدمر على جهاز المناعة فى الإنسان، فيصبح أكثر تعرضا للإصابة بالأمراض المعدية المختلفة، وأيضا أكثر تعرضا للإصابة بالأورام السرطانية المختلفة، خاصة سرطان الرئة.
هل يسبب تدخين البانجو الإصابة بالسرطان؟
ثبت من الدراسات والأبحاث العلمية أن دخان البانجو يحتوى على مواد مسرطنة ومسببة للأورام السرطانية أكثر من تلك التى يحتويها دخان السجاير العادية التى تحتوى على النيكوتين، وبالتالى فإنها يمكن أن تسبب الإصابة بالأورام السرطانية المختلفة إذا استخدمت لعدة سنوات، وقد دلت الأبحاث التى أجريت على الرئة، أن تدخين البانجو يؤدى إلى تغير شكل خلاياها إلى مرحلة ما قبل السرطان، والتى تتحول إلى خلايا سرطانية مع استمرار التعاطى، وفى دراسة معملية أخرى، تبين أن "التار" أو "الزفت" الموجود فى دخان البانجو، قد تسبب فى إحداث سرطان الجلد عند الحيوانات، حين تعرضوا له لفترة طويلة.
تأثير البانجو على المخ والجهاز العصبى
تدخين البانجو يؤدى إلى خلل فى القدرة الذهنية، وعلاقتها بالقدرة الحركية PsychomotorTasks، ففى بداية تدخين البانجو يشعر الإنسان بالسعادة والانطلاق والاسترخاء، إلا أنه لا يلبث أن يعقب ذلك مشاعر سلبية عديدة، مثل الإحساس بالخوف الذى يصل أحيانا إلى حد الهلع فى بعض الأحيان، بدون أى سبب واضح، والقلق النفسى، وأحيانا بعض الهلاوس يمكن أن تنتاب ذلك المدمن.
وإدمان البانجو يفقد الإنسان قدرته على الطموح والحافز الموجود بداخله، وهذا لا يظهر فى بداية تدخين البانجو، ولكن مع إدمانه، يصبح من السمات الواضحة فى هذا المدمن، خاصة أنه بعد فترة، يضطر لمضاعفة الكمية التى يتناولها نظرًا لأن جسمه يعتاد عليها وهو ما يسمى Tolerance.
ولعل فقد الحافز أو الطموح لدى مدمن البانجو، من أهم الأشياء الصعبة التى تواجه الطبيب المعالج لهذا المدمن، لأن هذا المدمن هو شخصياً، ليس لديه الرغبة أو الحافز لكى يعود إلى طبيعته، أو أن يصبح إنساناً متوازناً محتفظاً بشبابه وصحته، من أجل مستقبل أكثر إشراقاً، مما يشعر به من نشوة مؤقتة وسعادة زائفة، تجعله يتخطى مرحلة التعاطى من أجل النشوة، إلى مرحلة التعاطى من أجل الإدمان، وهنا تكمن الخطورة التى يجب على المتعاطى أن ينتبه إليها منذ البداية، ولا يدع نفسه ينزلق حتى يسقط فيها.
ما التأثير الفورى الذى يحدث فى الجسم نتيجة تعاطى البانجو؟
أعراض جسمية:
وتشمل زيادة فى سرعة دقات القلب، واحمرار شديد فى بياض العين، دون اتساع حدقة العين، جفاف شديد فى الفم والحلق، زيادة الشهية، والإقبال على الأكل.
أعراض نفسية وذهنية:
وتشمل فقد القدرة على التجانس والتناغم بين العقل والجسم، والتأثير على الإحساس بالوقت فيشعر الإنسان بأن الدقيقة ربما تكون ساعة، وكذلك التأثير على الذاكرة، خاصة للأحداث القريبة، وكذلك فقد القدرة على التركيز، والقدرة على مواصلة الأعمال، خاصة تلك التى تحتاج إلى مجهود ذهنى أو عقلى، وأيضاً فقد القدرة على قيادة السيارات بالتركيز المطلوب، أو الوقوف أمام الماكينات، وأحياناً تنتاب المدمن بعض الهلاوس.
ومن المضاعفات الجانبية الشائعة لتدخين البانجو هو ما يسمى Acute Panic Anxiety Reaction، أى الخوف والهلع الحاد الذى ينتاب المدخن للبانجو، ويجعله يشعر أنه سوف يفقد السيطرة على نفسه أمام الآخرين، فيبدأ بالتصرف بأسلوب يملؤه الخوف والفزع، وتزيد حدة المضاعفات الجانبية إذا كان المدخن للبانجو قد تناول أى من المشروبات الكحولية، مثل الخمر أو البيرة وخلافه.
ولعل الدراسات التى أجريت على تأثير البانجو على أجهزة الجسم المختلفة، قد أظهرت أن تدخين سيجارة من البانجو، يعادل فى تأثيره الضار تدخين خمس سجاير عادية، ويتضاعف هذا التأثير بالتأكيد إذا كان المدمن يدخن كل من البانجو والنيكوتين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة