خالد صلاح

خالد صلاح يكتب: ماذا يفعل هذا الحزب بهذه الأغلبية الساحقة؟

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010 11:03 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى السياسة لا تجدى نفعا نظرات العتاب أو رسائل الحسرة أو الرهان على وخز الضمير، فالسياسيون لا يعرفون هذا النسق العاطفى، وهذه المشاعر الوادعة فى إدارة الحكم، السياسيون لا يعرفون سوى لغة واحدة يفصلون بها العالم من حولهم إلى نصفين لا ثالث لهما (من ليس معنا فهو ضدنا).. هكذا يبدو العالم شئت أنت أم أبيت، وهكذا هى السياسة رضيت أنت أم لم ترض، ووفق هذه القاعدة الحتمية، ليس مهما هنا إذن أن ترضى الأحزاب المصرية المعارضة عن الحزب الوطنى، ولا يعنى الحزب هنا من يحصل من قياداته على بركة المعارضين، ومن ذا الذى يحصد لعناتهم، فالمهم هو أن تكون الأغلبية الساحقة فى حقيبة صناع السياسة ومبتكرى التشريعات لتؤول لهم الغلبة من قبل ومن بعد فيما يرونه من سياسات، وفيما يؤمنون به من أفكار لإدارة مصر.

أفهم ذلك جيدا طبعا كما تفهمه أنت مثلى، لكن مشكلة واحدة تبقى هنا لا يفهمها هؤلاء الذين لا يعبأون باللعنات أو البركات، فالحزب والبرلمان أمام أزمة جديدة تكمن فى هذه الأغلبية المخيفة نفسها، هذه الأغلبية تتحول بذاتها إلى مشكلة، بل إلى لغم سياسى، بعد أن باتت تحكم بلا منازعة، أو معارضة، أو حتى مشاكسة محدودة على طريقة بعض النواب المستقلين فى المجلس السابق، فما قد يحسبه البعض خيراً مطلقاً قد يتحول هو نفسه إلى شر مطلق إن ساءت إدارة هذه الأغلبية على النحو الذى تحتاجه أولويات العمل العام فى مصر.

فى ظنى أن الحزب الوطنى أمامه اليوم رهان أكبر، وهو إدارة برلمان يخضع بالكامل لأمانة التنظيم المركزية، وأغلبية نيابية أفرزتها إدارة حديدية للانتخابات القاعدية فى الحزب، ونواب دخلوا إلى المجلس بعد أن نالوا مكافأة الالتزام الحزبى الداخلى، فالآن نحن أمام موجة واحدة فقط للراديو البرلمانى لا تخضع للتشويش، وليس فيها ما يعكر صفو ساعات البث للأوامر السياسية التى تخرج -حسب العادة- من أمين التنظيم السيد المهندس أحمد عز، لتتلقفها مباشرة أجهزة الاستقبال، ثم تنطلق موسيقى واحدة بلا انقطاع لمدة خمس سنوات كاملة، إن لم يطرأ ما يطيح بهذا المجلس الموقر لاحقاً.

أكاد أجزم هنا أن حكماء حزب الأغلبية حائرون فى الشكل الذى ينبغى أن تدار به هذه الأغلبية، وأكاد أجزم أيضا أن عقلاء السياسة داخل هذا الكيان العملاق يخشون من الناتج الإجمالى لبرلمان هو بالكامل خاضع للأوامر الحزبية المباشرة.. برلمان لا يمكنه الرقابة إلا بإذن مسبق، ولا يجوز لأحد فيه أن يطرح قضية قبل أن يحصل على موافقة حزبية، أو دعم من الهيئة البرلمانية، أو مشاورة أمين التنظيم.. برلمان لا يصح فيه منطق الصراع بين الحكومة والنواب، إذ إن النواب صاروا جزءا من الحكومة، والحكومة صارت جزءا من النواب.. برلمان لا تجوز فيه الرقابة الخشنة على أداء السلطة التنفيذية، إذ النواب أسرفوا فى الوعود الهائلة التى لا يمكن أن تتحقق إلا إذا حظى كل نائب برضا الوزير المختص فى هذه السلطة التنفيذية.

المسألة هنا بالغة التعقيد، على عكس ما قد يتصور البعض، فالحزب الذى يريد أن يحافظ على مصداقيته السياسية أمام الناس وأمام العالم قد يجد نفسه عاريا من هذه المصداقية بفعل أداء نوابه المكدّسين فى المجلس، والحزب الذى يريد أن يظهر كمؤسسة ليبرالية مدنية قد يفقد هذه السمة وهو يتحاور بنفسه مع نفسه تحت القبة، وإن لم يستطع الحزب أن ينشئ طليعة متقدمة من نوابه تلعب دور المعارضة الرشيدة، ويطور أدواته الداخلية فى الرقابة على السلطة التنفيذية فسوف تنهار هذه المنظومة من الداخل، ويتحول البرلمان إلى جهاز تنفيذى آخر مهمته تمرير قوانين الحكومة وقراراتها بلا نقاش، وقد يتراجع أيضا الأداء التنفيذى للحكومة، وهى مطمئنة القلب والوجدان بأنه لا أحد هنا داخل مجلس الشعب ليزعجها بطلب إحاطة أو يقلقها بسؤال أو يهاجمها بقسوة فى استجواب عاصف.

الأداء السياسى العام مهدد بحالة انحدار شاملة، جنبا إلى جنب مع استمرار لعنات الغاضبين على الانتخابات فى مختلف المحافظات، فالحزب ونوابه كانت توقظهم هجمات المعارضة فى برلمان 2005، أما الآن فلا معارضة تذكر، ولا خطر يقترب، ولا تحدى سياسيا تشهده المناقشات.. فما الذى يمكن أن يقوم به قادة الحزب لإدارة هذه الأغلبية على نحو يحفظ مصداقية البرلمان، ومصداقية الحزب، ولا يؤدى فى النهاية إلى شيوع حالة من الفراغ الذى قد يؤدى فى النهاية إلى شللية داخلية بين النواب تنعكس على شللية فى الحزب، أو تكون هى بذاتها نتاج شللية حزبية من الأساس تشطر هذا الحزب الكبير إلى تكتلات غير متجانسة سياسيا أو فكريا؟
أحيانا أنت تحتاج إلى خصم يستحث هممك ويساعدك على تعبئة طاقتك، وأحيانا أيضا أنت تحتاج إلى رقيب لترى عيوبك إن كنت جادا فى تفاديها، وأحيانا أنت تحتاج إلى حرب سياسية حتى لا تجد نفسك تحارب نفسك دون أن تدرى.
فمن ذا الذى يقوى على إقناع أمين التنظيم بأن إدارة هذه الأغلبية هى الفريضة الغائبة عن أجندته الحافلة بالمعارك.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة