على بريشة

أين كنت فى أول أغسطس الماضى؟

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010 06:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل كنت جالساً على المقهى تلعب الطاولة وتنفخ دخان الشيشة وتستمع بحياة البطالة الإجبارية التى يعانى منها ثلاثة ملايين مصرى (حسب أرقام الحكومة) أو سبعة ملايين مصرى (حسب أرقام المعارضة).. هل كنت واقفا فى طابور العيش أو طابور البوتاجاز أو طابور السكر أو غيرها من الطوابير التى تملأ حياة كل المصريين.. هل كنت تجرى وراء لقمة العيش معصورا فى أتوبيس نقل عام أو مزنوقا فى ميكروباص تراودك نفسك (دون أن تجرؤ أن تفعل) أن تتشاجر مع السائق لأنه يبالغ فى الأجرة ويحمل السيارة بأكثر من طاقتها ويرفع صوت الكاسيت ويتعامل مع الشوارع كأنها حلبة سباق.

هل كنت واقفا فى اعتصام تهتف ضد الظلم وتفتش بإحدى عينيك عن كاميرات الفضائيات.. وتركز العين الأخرى فى حذر على هراوات العساكر الذين يذوبون مثلك من الحر والضيق والقهر، وتنتظر أول بادرة للضرب لكى تطبق نظرية (نصف الجدعنة).. أم كنت مارا أمام نفس الاعتصام ترمق المعتصمين بنظرة ساخرة وتهتف لنفسك بالقول المأثور الوحيد الذى يحفظه كل المصريين، نقلا عن خالد الذكر سعد باشا زغلول، "مفيش فايدة".

قليلون منا من يستطيعون أن يتذكروا بالتحديد أين كانوا فى أول أغسطس الماضى.. فهو يوم عادى مثل باقى الأيام تمر علينا بحلوها ومرها.. (وفى قول آخر بمرها ومرارها).. ولكن فى نفس هذا اليوم العادى جدا تم القبض على شاب مصرى فى مطار القاهرة بأبشع اتهام يمكن أن يتم توجيهه إلى شاب مصرى "التخابر مع إسرائيل".

يوم الأول من أغسطس كان بالنسبة لنا جميعا يوما عاديا، ولكنه كان بالنسبة لرجال آخرين تتويج لجهد مبذول على مدى شهور وسنوات تم خلالها رصد الجاسوس فى رحلاته من الصين إلى الهند، ومن لاوس إلى تايلاند، وتم تجميع المعلومات عنه وهو يسقط فى فخ الموساد.

بقدر ما يحزننى إلى درجة الكمد أن أسمع أن مصرياً وجهت إليه تهمة التخابر مع إسرائيل، يسعدنى إلى درجة النشوة أن أشعر أن هناك رجالاً مازالوا واقفين على خط المواجهة لحماية هذا الوطن، مازالت عيونهم مفتوحة وقلوبهم نابضة وضميرهم صاحيا.. حتى لو بدا لنا أن النوم هو السلطان الوحيد الذى يخيم على حياتنا.. حتى لو باع الغاز من باع.. وفسد من فسد.. وانتهك القانون من انتهك.. حتى لو مضى الناس متكاسلين يتثاءبون ويلوكون القول المأثور الوحيد الذى نسبوه إلى سعد زغلول وجعلوه دستور حياتهم، سوف يظل هؤلاء الشرفاء الساهرون الذين يعملون فى صمت يضيئون لنا نورا فى آخر النفق.. انظر جيداً إلى آخر النفق، وسترى هذا النور الذى كتبه البعض بالدماء والبعض بالعرق والجهد والسهر.. انظر جيدا وستجد مكتوبا فى آخر النفق بحروف النور: "فيه فايدة".. "فيه فايدة".. أكيد يا مصر فيه فايدة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة