غبار السياسة الذى لوّن وجه «الجزيرة»

الجمعة، 17 ديسمبر 2010 12:41 ص
غبار السياسة الذى لوّن وجه «الجزيرة» مبارك والأمير القطرى
عادل السنهورى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ صلة الرحم بين السياسة الإعلامية والإعلام السياسى فى «القناة الدولة» هى الخطأ الوحيد الذى سقطت فيه

غرقت «الجزيرة» فى بحور السياسة- رغما عن مهنيتها الإعلامية- منذ انطلاقها للفضاء الإعلامى العربى عام 96 ولم تنقطع وشائج القربى وصلة الرحم بين الأداء الإعلامى للقناة والدور السياسى للدولة ولم تنفر واحدة من الأخرى أو تستبد بها على مدار 14 عاما بل اعتبرها مراقبون علاقة تماهى وذوبان دفعت بالعديد من الدراسات والأبحاث وعدد من الإصدارات المطبوعة إلى طرح إشكالية مهمة أفرزتها قناة الجزيرة وأداؤها الفضائى وهى: هل نحن إزاء سياسة إعلامية أم إعلام سياسى موجه؟ وهل كانت الجزيرة ومازالت فى خدمة المصالح السياسية للدولة القطرية أم هى بالفعل قفزة مهولة فى المشهد الإعلامى العربى أزاحت أمامها رتابة الإعلام الرسمى فى الوطن العربى وكسرت سطوته واحتكاره من قبل الحكومات العربية؟

الموضوعية تقتضى التأكيد أن الجزيرة رغم غبار السياسة وأزماتها خلقت فضاء جديدا لحرية التعبير لم يكن معهودا من قبل جعلها القناة الإعلامية الأكثر شعبية فى الدول العربية والإسلامية.

وربما جاءت تسريبات موقع ويكليكس للوثائق الأمريكية بشأن «الجزيرة» واعتبارها «من أهم الأدوات السياسية والدبلوماسية التى تملكها قطر» انتصارا للآراء التى انتقدت السياسة الإعلامية للقناة ومراجعة الحديث عن الاستقلالية والمهنية فى أداء الرسالة الإعلامية ومدى تأثر القناة بالتموجات السياسية فى المنطقة وعلاقة قطر بمحيطها العربى والإقليمى، فقطر الدولة الصغيرة -وهذا لا يعيبها إطلاقا- بعد مرحلة الجزيرة أصبحت فى قلب المشهد السياسى العربى وتضخم دورها فى الوساطات السياسية فى العديد من الأزمات العربية مثل لبنان والسودان وهو دور كان من المفترض أن تقوم به دول محورية فى المنطقة وهو ما فسره البعض بأنه توظيف للقوة الناعمة لقناة الجزيرة واستخدامها كورقة مهمة فى التعامل مع القضايا الإقليمية وتعظيم دورها من دولة صغيرة إلى دولة صغيرة مؤثرة بدرجة ملحوظة فى السياسة العربية.

وتواصلا مع التوظيف والتماهى بين الدور الإعلامى والتوظيف السياسى وجدت «الجزيرة» القناة نفسها فى قلب الأزمات وفى مواجهة فوهة الانتقادات. فقد اتهمت القناة بالترويج للفكر السلفى والراديكالى والجهادى من خلال بث أشرطة مصورة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وإجراء حوارات مع زعماء حركة طالبان. واتهمت أيضا بأنها حققت الصدمة المروعة باستضافة قادة وخبراء وسياسيين إسرائيليين وتخطت الحدود التقليدية فى التغطية الإعلامية العربية داخل الأرض المحتلة وخصصت مكتبا فى القدس وباتت مشاهدة وجوه قادة إسرائيل داخل البيوت العربية أمرا مألوفا واعتياديا انساقت معه قنوات أخرى ثم تراجعت عنه تحت سيل الانتقادات، لكن «الجزيرة» لم تتراجع تحت وطأة المصالح السياسية.

السياسة ودروبها المتعرجة والوعرة لم ترحم «الجزيرة» وأعاقت فى الكثير من الأحيان أداءها، فالتوتر فى العلاقات القطرية السعودية أصاب القناة بحمى الانحياز لنشطاء وحقوقيين ومعارضين للسياسة الداخلية السعودية وكذلك فى العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، ثم تأتى الأزمة الأكبر مع مصر قبل «طى صفحة الماضى بعد زيارة الرئيس مبارك الأخيرة لقطر»، فالتوتر فى العلاقة مع مصر دفعت الجزيرة ثمنه وكانت الأداة الأبرز فى التوتر وخاصة فى أكثر الملفات الخلافية خطورة فى العلاقات العربية، الملف الفلسطينى وخاصة فى حرب غزة الأخيرة والموقف من حزب الله أثناء العدوان الإسرائيلى على لبنان عام 2006، وهو التوتر الذى بلغ قمته مع مصر والذى انطلقت معه حملة إعلامية مضادة ضد قناة «الجزيرة» واتهامها بإشعال الفتن بين الدول العربية و«شتيمة مصر» وتقسيم الدول العربية بين دول الاعتدال ودول الرفض وزادت الحملات فى هجومها واتهام الجزيرة بأنها قناة صهيونية لعبت دورا خطيرا فى صب مزيد من الاشتعال فى الأزمة الكروية الأخيرة بين مصر والجزائر. ولكن بعد «طى صفحة الخلافات» حدث التغير والتوازن فى التغطية الإعلامية للأحداث فى مصر خاصة الانتخابات البرلمانية الأخيرة وانتهت قطيعة قيادات سياسية حكومية للظهور على شاشة القناة.

فى أماكن كثيرة سبقت السياسة العمل المهنى فى تعامل بعض الأنظمة العربية مع الجزيرة وأدى ذلك إلى مضايقات لمدراء مكاتبها بل إغلاق المكتب ذاته مثلما حدث فى دول المغرب العربى باستثناء الجماهيرية الليبية التى لم تشأ القناة إغضابها نظرا للعلاقة المتميزة بين ليبيا وقطر واقتصرت تغطيتها للواقع الليبى على بعض التقارير المحايدة.

هى السياسة إذن التى ألقت بغبار كثيف على الأداء المهنى الراقى والمتميز لقناة «الجزيرة» التى ساهمت منذ انطلاقها فى تأسيس مرحلة إعلامية مغايرة وغير مسبوقة للإعلام العربى، فالتأريخ الإعلامى لحرية الرأى والتعبير أصبح يقاس بمرحلة ما قبل وما بعد «الجزيرة» التى ألقت كل الأحجار فى بحيرة الإعلام العربى الذى كان راقدا.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة