شريف حافظ

الكف عن رقصة صلاح سالم فى أفريقيا

الجمعة، 17 ديسمبر 2010 06:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحب قبل أن أبدأ، وأؤكد على أن مصر ومصلحتها يجب أن تكون هى محور فكرنا جميعاً، بغض النظر عن الأشخاص، وعنوان المقال ما هو إلا نقد لفعل، وليس هو "نقض" لشخص وإنما "نقد" له، لأن لكل منا أخطاءه، ولم يكن الشخص وقتها، يريد شيئاً آخر غير مصلحة مصر.

إن الانطلاق بتلك الفكرة فى الأذهان، يوفر علينا الكثير من "التفرع"، بعيداً عن الفكرة الأساسية الكامنة فى المقال، والكامنة فى الفعل الإنسانى عبر التاريخ، بعيداً عن "التأليه" المرفوض، جُملة وتفصيلاً، لأى إنسان، مهما كان!!

لقد عُرف الصاغ صلاح سالم، رحمه الله "وهو أحد الضباط الأحرار"، فى الغرب، بأنه الصاغ "الراقص"، لأنه رقص مع قبائل السودان، مُجاملاً إياهم، ضمن أساليب أُخرى، من أجل الحفاظ على وحدة مصر والسودان، منعاً لانفصال السودان عن مصر، إلا أن هذا قد فشل فى الحفاظ على توحد البلدين، حيث أعلن السودان استقلاله فى بداية 1956. وسقط السودان فى حرب أهلية بين الشمال والجنوب، أغلب فترات استقلاله، ولم يستطع الشمال المُسيطر على الثروات أن يفرض السلام، ولم تستطع مصر، التى أقامت سلاماً مع "إسرائيل" عدوها اللدود، أن يكون لها دور دبلوماسى فى فرض السلام، فى أهم دولة على المستوى الاستراتيجى لها، بما فيها من امتداد لشُريان حياتها، الممثل للنيل، فيها! فلم تستخدم مصر جهازها الدبلوماسى المحترف، فى تلك المسألة بالقوة الكافية، وبقيت ذكرى استخدامها العسكر غير المحترفين للدبلوماسية، ماثلة فى الأذهان!.

ولنعترف بأن دخولنا أفريقيا، فى عهد الرئيس عبد الناصر، كان مبنى على دعم حركات التحرر، وبناء على العلاقات "الشخصية"، بين الزُعماء الأفارقة، والرئيس الراحل عبد الناصر، دون خلق قوة الدفع "المؤسسى"، المُستمرة لتلك العلاقات، مما أدى إلى انتهاء العلاقات الحميمة مع الدول الأفريقية، بوفاة الزعيم، ثم نظرنا إلى الأفارقة نظرة "عنصرية" مُتعالية، وليس نظرات الند، الذى يريد المصلحة، رغم أن أفريقيا مليئة بالثروات، وقادرة على حل أغلب المُعضلات المصرية، لقد مددنا أيدينا إلى الشمال الأوروبى "المستعمر السابق"، وكأن "عُقدة الخواجة" تُسيطر علينا، دون تركيز على "المنجم" الحقيقى لنا! والغريب أن هذا الشمال "الأوروبى" و"الأمريكى"، بل والعالم المتقدم كله، أو ذاك الواعى لمصالحه الحقيقية أصبح فى الآونة الأخيرة، ومنذ سنوات التسعينيات، يرى أهمية فائقة لأفريقيا، ويمتد فيها بالمصالح، أكثر منا، فى مصر، التى ويا للسخرية، متواجدة فى القارة الأفريقية ذاتها!.


لقد ربطت الكثير من دول العالم المتقدم مصالحها بأفريقيا، حتى إن الرئيس الفرنسى، ساركوزى، رأى عمق القوة الاستراتيجية لفرنسا، كدولة كُبرى منافسة للولايات المتحدة فى أفريقيا! ودخلت الولايات المتحدة مؤكدة فى الدراسات الاستراتيجية الخاصة بها، أنها يُمكن أن تخلق بنفسها التشريعات المفيدة لاستثماراتها فى أفريقيا خلف الصحراء، حيث حرية التجارة لها، بينما تغيب أغلب التشريعات، التى تُعرقل مسيرتها الاقتصادية هناك، مثل بقية الدول الأخرى! ودخلت الصين وتركيا وإيران وإسرائيل،.. إلخ! وكما جاء فى الجملة المصرية الساخرة، فى إحدى المسرحيات: "كل ده، وإحنا قاعدين".

إن الحديث المستمر حول تهديد "إسرائيل" لنا فى أفريقيا لهو حديث مُغيب، يجب وأن يكُف عنه الإعلام! فأى دولة ترتأى مصالحها فى العالم اليوم، أن تحاربنا حيثما تشاء، وهو أمر جائز لإسرائيل، مثل غيرها، ولا أعتقد أننا سنمدح تدخل الدول الأخرى، بينما نستهجن تدخل إسرائيل! تلك هى قواعد أو "لا قواعد" العلاقات الدولية، التى لا يحكمها غير المصلحة، وعلينا توخى مصالحنا مثلهم والدخول فى "الحرب الاقتصادية" هناك، بما لنا من أولويات، تجعلنا الأقرب والأرخص كُلفة، لتلك الدول!.

والحقيقة أن كل الدول تعمل على تحقيق مصالحها هناك، بينما نحن لم نوحد الشعب المصرى بعد، ونتكلم عن أمور "بدائية للغاية"، تكمن فى تحقيق الدولة المدنية والمواطنة، التى يجب وأن تكون قد أُسست ما بعد استعادة سيناء، عام 1982! إننا نؤخر الكثير من الحلول عن "عمد"، لأننى لا أستطيع أن أتصور أن صانع القرار المصرى لا يُدرك تلك الحقائق الماثلة للجميع!.

وكأن الرقص هو أساس ما نقوم به فى منطقتنا، من سياسات الحفاظ على توحدنا كدول "يطلق عليها مجازاً": الدول العربية: فقد رقص عمر البشير، فى مُظاهرات التأييد له ضد حُكم المحكمة الجنائية الدولية، وصفق له أهالى الخرطوم، وكأنه بتلك الرقصة سيقوم بما لم يقم به الصاغ الراقص أو سيُبقى على توحد شمال السودان وجنوبه، بينما أصبح فى شبه المؤكد انقسام السودان إلى دولتين "على الأقل" وترشيحه لعودة حرب "أهلية - دولية" فيه، فى 2011! يجب على مصر أن ترتأى مصالحها الحيوية، بغض النظر عن "العشم" و"المحبة" و"العلاقات الشخصية" بين القادة، وأن تشترى مصالح الشعوب المحيطة، لأن هذا هو الباقى لصالح مصر، شعباً وأرضاً، لا فقط نظاماً! فلنبتعد عن الغيبيات، فيما يتعلق بشئوننا السياسية، وخصوصاً فى أفريقيا، حيث "مناجم الحلول الاقتصادية" لمصر!.

وفى النهاية، أتقدم ببعض الأفكار الذاتية، لعل وعسى يُمكن تطوير بعضها أو كلها، لتكون جزءًا من استراتيجية كاملة، لخدمة المصلحة المصرية فى القارة الأفريقية:

- إقامة وزارة مصرية جديدة، تُعنى "بالشئون الأفريقية"، وترتبط فى عملها، بشتى مجالات الحياة، حيث يستوجب ربط مصالح مصر وبشدة مع أفريقيا، وليكُن الوزير المُكلف على رأسها أحد الدبلوماسيين أو أساتذة الجامعة، من الخُبراء بالشأن الأفريقى، ويجب ربط شئون الوزارة بمكاتبنا الاقتصادية، فى شتى سفاراتنا فى أفريقيا، والاهتمام "بنوعية" السُفراء، المرسلين إلى دول القارة وبشدة "تُماثل"، ولا تفوق، الاهتمام بشخصية السُفراء المُعينين فى الغرب، حيث إن الإهتمام بأفريقيا لا يعنى عدم الاهتمام بسواها!.

- تفعيل دور مصر فى منظمة الاتحاد الأفريقى، بحيث تعود إليها بقوة ببرنامج عمل ومُبادرات، تُثبت ريادتها فى شتى المجالات، بحيث يبرُز "إخلاصها" فى هذا الشأن، لأن الإخلاص الظاهر هو ما سيدعم مصالحها الحقيقية مُستقبلاً.


- إقامة جامعة مصرية واحدة، على الأقل، فى كل عاصمة أفريقية، أو مدينة مهمة، وإرسال البعثات الطُلابية إلى هناك، بحيث يتخرجون ليعملوا هناك، أو على الأقل، ينقلون علمهم بالبلاد الأفريقية التى درسوا فيها إلى مصر. ووضع مادة "إجبارية" فى التعليم الأساسى المصرى تربط إدراك التلاميذ فى المرحلة الابتدائية وغيرها، إن أمكن، على مستوى الوعى بالقارة السمراء.

- خلق سوق للعمالة المصرية فى الدول الأفريقية، بالإضافة إلى الخليج العربى، ولكن بربط أكبر للمصالح مع أفريقيا، بحيث يتم "توطين" العُمال هناك، وفتح معاهد فنية مصرية فى أفريقيا، كما يجب إرسال المتخصصين من المهارات العُليا إلى هناك، لدعم حركة التنمية فى تلك الدول.


- تنشيط السياحة المصرية إلى الدول الأفريقية، حيث المناظر الطبيعية، رغم أن هناك دول يفوق سعر الرحلات إليها سعر الرحلات إلى الدول الأوروبية، لما بها من مناظر خلابة وحياة برية، تطوق إليها أذهان وخيالات العالم أجمع، إلا أن تنشيط السياحة المصرية إلى أفريقيا سيُغير الذهنية المصرية، فى رؤية أفريقيا، ولتفهُم ما يكمن فيها من ثروات، يجب وأن تُستغل، لخلق صناعات "تكميلية" مصرية، إلى جوار المشهد السياحى هناك! (وعليه يُحبذ لو أن وزارة السياحة المصرية خفضت من أسعار الرحلات إلى أفريقيا إلى معدلات تسمح بالتنقل السهل إلى هناك).

- الحض على تقنين "إلغاء" التأشيرات فيما بين الدول الأفريقية إلى مصر، حتى تنشط حركة التجارة المُتبادلة، ويُخلق الحافز للتعامل أكثر مع مصر، أكثر من غيرها، مع منح الأمن دوراً فى تلك المسألة، كى تكون على أفضل ما يُرام، دون إيجاد تهديد مُتبادل بين مصر والدول الأفريقية، بأى شكل كان.

هناك أفكار كثيرة لغيرى بالتأكيد، وتلك هى أفكارى المتواضعة، ويُمكن عمل مؤتمر سنوى من خلال معهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، وتمويله بضخ رأس مال كبير فيه من قبل رجال الأعمال المصريين، ليصبح أهم مراكزنا البحثية فى هذا المنحى،

لنعمل على الحفاظ على مصالحنا بوعى منا، ولنتخلى عن رقصة صلاح سالم فى أفريقيا.
ومصر أولاً.

• أستاذ علوم سياسية
• صابر







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة