لا أدرى حتى الآن ماذا يريد قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان والمسيطرة على جنوب السودان؟.. هل يريدون انفصالاً سلساً عن الشمال وفقاً للنتائج التى سيفضى عنها استفتاء حق الجنوبيين فى تقرير مصيرهم المقرر عقده فى التاسع من يناير المقبل، أم أن هدفهم يتخطى مرحلة الانفصال كدولة مستقلة إلى مرحلة مزاحمة دولة السودان ككل فى ملفاتها الداخلية، ومحاولة اللعب بكروت ضغط على الخرطوم لتحقيق مكاسب تتخطى المكاسب السياسية.
حقيقة لقد فشلت فى تحديد الهدف الجنوبى، وأن كنت أرى أن الجنوبيين لديهم قلق، بل رعب داخلى من مرحلة ما بعد الاستفتاء، فأغلب قادة الحركة لا يعلمون حتى الآن كيف سيديرون دولتهم الجديدة أن جاءت نتيجة الاستفتاء فى اتجاه الانفصال، خاصة أن الجنوب حتى الآن لا يمتلك أية مقومات لتأسيس مدينة متكاملة وليس دولة، والسبب هنا لا يعود إلى تهميش الشماليين لهم، وهى الشماعة التى يعلق عليها الجنوبيين دوما أسباب تأخرهم، ولكن لأن الحركة التى سيطرت على مقاليد الحكم فى الجنوب بموافقة شمالية تطبيقا لاتفاق نيفاشا للسلام 2005، فضلت أن تبقى على وضعها العسكرى، وعمدت إلى أنفاق مصادر دخل الجنوب على دعم معداتها العسكرية وكأنها مقبلة على حرب جديدة، متناسية أن التنمية فى الجنوب هى الأولوية الأولى التى يجب أن يكون التركيز منصب عليها.
وللأسف الشديد لم يقتصر الإعداد العسكرى فى الجنوب على دعم قدراتهم الداخلية فقط، وإنما فتحوا أبوابهم لمتمردى إقليم دارفور "نكاية" فى نظام الرئيس عمر البشير، ورغم نفى قيادات الحركة لهذا، إلا أن هناك معلومات متوفرة لدى السودانيين تؤكد أن جنوب السودان أصبح الآن هو الملجأ لقيادات التمرد الدارفورية بعدما أغلقت تشاد حدودها فى وجه المتمردين بعد المصالحة التى تمت بينها وبين الخرطوم، والمؤكد أن الجنوب لم يقتصر دعمه للدارفوريين على الاستضافة فقط، وإنما أمتد الكرم الجنوبى إلى أمداد قادة العدل والمساواة بما يحتاجونه من أسلحة وذخائر ووقود ، فى ظل أتفاق مبرم بين الجهتين بالحفاظ على قوات العدل والمساواة فى الجنوب لحين الاستفتاء وانفصال الجنوب لينقلوا قواتهم بكاملها إلى هناك وليكون الجنوب نقطة انطلاق لهم فى مواجهة الحكومة بالشمال سواء بدارفور أو كردفان أو خلافها.
مصادر سودانية جنوبية قالت أن لحركة العدل معسكر صغير بمنطقة "قوق مشار" بقيادة حميد أدم الدناع، وهاشم أحمد عبد الحميد ديدان، وحوالى 25 فرداً مسلحين، وهذا المعسكر يلقى عناية فائقة من اللواء سانتينو قائد قوات الجيش الشعبى بمنطقة ونيك، الذى تبرع بمبالغ مالية أكثر من مرة أخرها لشراء تعيينات للقوة، كاشفا من ناحية أخرى عن أن هناك قائمة طويلة من المطالب تقدمت بها العدل والمساواة للمسئولين الجنوبيين، لإمدادهم بالأسلحة والذخائر المطلوبة، ومنها على سبيل المثال صواريخ مضادة للدروع وطيران وذخائر الدوشكا والكلاشنكوف.
الغريب فى الاتفاق ما بين الجنوبيين والدارفورين الذى يبقى هدفه الاساسى هو كسر الدولة السودانية، أن هناك دعماً خارجياً لهذا الاتفاق، فأوغندا التى لم تلبث أن تعلنها صراحة عن دعمها لتحركات الجنوبيين نحو الانفصال سهلت قبل أربعة أشهر لأحمد آدم الأمين العام لحركة العدل والمساواة ومعه اثنان من قيادات الحركة اللقاء مع بعض قادة الحركة الشعبية والجيش الشعبى، وهى اللقاءات التى أثمرت عن وصول أحمد آدم لمدينة ياى الجنوبية، ووصول من معه إلى مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، وهو ما يثير تساؤلات عدة حول الهدف من وراء كل هذه التحركات، وإلى أن ستسير؟ ومتى يفيق العرب من غفلتهم للحفاظ على وحدة السودان؟ الذى أصبح الآن مهدداً من الداخل والخارج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة