لا أريد أن أفت فى عضد الغاضبين والناقمين والحزانى من نتائج الانتخابات البرلمانية الخيرة، الذين قرروا التغيير عبر الشارع، كما أعلنوا فى مظاهرة حاشدة أمام نقابة المحامين أمس الأول، فالتغيير فى مصر يحتاج إلى ما هو أكثر من الشعارات والبيانات، وعدة مئات يحتشدون أمام نقابة المحامين وسلالم نقابة الصحفيين.
ولو كان لدى الأحزاب والنواب الذين فقدوا مقاعدهم فى الانتخابات، لأسباب مختلفة، القدرة على حشد الشارع لحدث ذلك يوم التصويت، لحث الناخبين على التوجه لصناديق الاقتراع، والتصدى لأى محاولة للتزوير وتغيير إرادة الناخبين، أو قبل إعلان النتائج الرسمية من اللجنة العليا للانتخابات لإظهار الغضب الشعبى العارم من النتائج غير الطبيعية وغير المبررة التى منحت الحزب الوطنى أغلبية تكاد تشبه عضوية اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى السابق.
أما وأن التحرك والحشد الجماهيرى لم يحدث فى الأيام الانتخابية العصيبة، وما تلاها، فمن غير المتوقع أيضا حدوثه فى الأيام العادية، حيث يستسلم المصريون عادة لدوامة الحياة اليومية، ويركزون كل جهودهم على شراء الخبز، وأنابيب البوتاجاز، والبحث عن كيلو سكر أرخص بنصف جنيه أو جنيه على الأكثر من الأسعار المرتفعة جدًا.
المصريون على مدار التاريخ يحبون الحياة، ويقبلون بالحد الأدنى من متطلباتها، واعتادوا على القليل وتحمل شظف العيش، وهم غير معنيين على الأرجح بمن يحكمهم، مصرى أو أجنبى.. عادلاً أم ظالمًا.. لا يهم المصريون من يجلس فى القصر الملكى أو الجمهورى.. المهم أن يلتزم سيد القصر بالحد الأدنى اللازم لاستمرار الحياة الطبيعية: عدة أرغفة من الخبز، وزجاجة زيت، وكيلو سكر، و"باكوين" شاى لكل مواطن!
ولا يتحرك المصريون بشكل جماعى وعبر الشارع إلا فى حالات نادرة، كأن يظهر زعيم تاريخى ملهم يقود الناس ويحركها من أجل مطلب عام، كما فعل أحمد عرابى، حينما طور مطالب الجيش إلى حركة شعبية ضد محاولة الإنجليز احتلال مصر، لكن حتى فى هذه الحالة، لم يتحدث المصريون عنها باعتبارها ثورة، وإنما هوجة.
أو يأتى زعيم مثل سعد زغلول استطاع حشد الشعب المصرى خلفه وراء طلب عادل وهو الاستقلال عن الاحتلال الإنجليزى.. وهونفس ما فعله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذى فتن المصريين بالثورة أولا ثم جلاء الاستعمار ثانية، ثم عبر مشروعات اجتماعية حقيقية مست حياة كل مواطن مثل التعليم المجانى، وبناء السد العالى، وتأميم المصانع، وجعل العمال شركاء فى ملكيتها.
وفى ظل غياب زعيم ملهم له شخصية طاغية، ومشروع كبير يلتف حوله الناس، يظل المصريون يلعنون شظف العيش، لكنهم ليسوا على استعداد لمغادرة منازلهم والنزول للشوارع من أجل التغيير السياسى.. وإن كانت الأسعار قد تدفعهم إلى ذلك كما حدث فى 18 و19 يناير 1977حينما انتفضوا ونزلوا إلى الشوارع احتجاجًا على سياسات اقتصادية استهدفت تحرير الأسعار وزيادتها.
الغاضبون أمام نقابة المحامين وفى شارع عبد الخالق ثروت ينفثون عن غضبهم، وعن خسارتهم البرلمانية.. لكن دون تحويل الغضب إلى مشروع تغيير يعم كل المصريين، ودون وجود قائد واضح قادر على إلهاب عواطف الناس ستظل الاحتجاجات محصورة فى حدود عدة مئات، ولن تتحول رغبتهم فى التغيير إلى عمل كبير يجتاح الشارع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة