القصر العينى يا أسطى؟
بهذه الكلمات البسيطة بدأت معرفتى بسائق التاكسى الذى وافق على توصيلنا لطريق أتمنى ألا أذهب إليه وأرجو من الله أن يبعد القارئ والسامع عنه. والحمد لله أن السائق تعطف علينا ورضى أن يأخذنا معه إلى طريقه حتى لا يقف صديقى يتألم بينما كل تاكسى قبل ذلك يعلن رفضه التام عن توصيلك وكأن عبارة سيارة أجرة مفهومها أنها سيارة ملاكى يتحكم فيها الأسطى قائد المركبة ويختار بكل تناكة زبائنه الميمونين.
ما علينا.. انطلق الأسطى وانطلق معه لسانه قائلا: عارف لو ناس غيركم ما كونتش ركبتهم.
طبعا لسانى قرر أن يعرف سبب التعطف الذى جعل السائق الكريم يرضى عنا ويكرمنا بشرف الجلوس فى سيارته ونحن ثلاثة صديقى المكسورة قدمه وأخى وكاتب هذه السطور.
أجاب السائق: إننا شكلنا ولاد ناس ومش متعبين زى بقية الزبائن.
وما أن جاءت سيرة الزبون النظيف بدأ الرجل يحكى عن مسيرته فى المهنة وطبيعة عمله التى يفضل أن تكون من نهار ربنا حتى منتصف ليله والسائق تبين من كلامه أنه خريج لمعهد سياحة وفنادق يعانى من مرض الدوالى وبالتالى فلا توجد مهنة تسمح له بالوقوف فاضطر أن يعمل سائقا على تاكسى يصرف من خلاله على بيته وعياله.
السائق يتابع كلامه الذى يشير فيه إلى أن الناس أصبحت غارقة حتى ذقنها فى الماديات والجرى وراء الفلوس كالوحوش إلا أنه بحكم سفره لفرنسا وحكم مهنته فى بدايته بالمطاعم والفنادق العليوى وجد أن الأجانب عندهم ذمة وضمير وأخلاق رغم كل ما يقال عنهم وغياب الدين عن عقلهم وغيرها من تلك الأفكار.
ولقد ذكرنى كلام السائق بشيخنا الجليل محمد عبده عندما أشار بعد رحلته فى أوروبا إلى أنه رأى إسلاما بلا مسلمين.
ونعود للسائق الذى شرح المجتمع من خلال الزبائن التى تركب معه فهو يرى أن الأخلاق ضاعت والضمير راح فى غيبوبة ولا حياة لمن تنادى لدرجة أنه حكى لى عندما كان فى باريس وسأله فرنسى عن كثرة الأغانى التى نرددها عن عظمتنا وأفحمه هذا الفرنسى بتعبير يتعجب فيه من تمسحنا بالفراعنة ومعابدهم ومسلاتهم وأهراماتهم لدرجة أن السائح أفحمه أيضا أننا لا نفعل سوى الاستيراد من الصين ولا نقدم أى جديد فلا ابتكار ولا تطوير إلا فى الموبايلات والرنات والنغمات وضحك السائق ابتسامة حزينة وأخبرنى أنه وقتها لم يعرف كيف يرد على هذا الفرنسى الذى فجر قنبلة فى آخر كلامه قائلا: لو شوفت المصريين بره هتلاقيهم أحسن.
وعند هذه الكلمة سألنى السائق تفتكر العيب فى مين؟.. فى الناس وأخلاقها التى أصبحت فى أسفل سافلين أم فى الناس الذين أصبحوا يتمسكون بالمبادئ لكن العين ليست عليهم.
وسكت السائق لكننى لم أسكت فقد أخبرت السائق لو كل واحد عمل بما يرضى الله المطلوب منه وقتها ينصلح حال البلد ومن غير شعارات.. لو التزم كل صاحب مهنة بعمله وكل رب أسرة بواجبه ناحية أسرته وكل فرد بواجبه نحو البلد فى أبسط الأشياء لكانت البلد فى أفضل حال فلا تقدم ولا خير إلا بالناس مهما كانت الصعاب ومهما كان الحق مفقودا لكن كلما ارتبط الناس بواقع مجتمعهم وعملوا لمصلحته العامة لعم الخير على الجميع لكن الغفلة وإلقاء المسئولية على الغير تؤدى إلى نوم عميق، الإفاقة منه تكون على كابوس غير سعيد.
ورغم كل ذلك وما دار بيننا من كلام فالسائق البسيط ليس ناقما على الحياة بل يشعر أنه هناك أمل كما أخبرته رغم كل ما تراه عينه والأجمل من ذلك أنه يتوسم خيرا فى حال البلد لكن على حد كلامه: ينصلح الحال بانصلاح الناس وختم حديثه بحكمة حلوة "الماديات غطت على الأخلاق يا أستاذ لكن لو كل واحد قلبه على غيره ما كانش ده بقى الحال".
ولا أجد أفضل من كلام الأسطى صاحب التاكسى الأسود.
معتز نادى يكتب: خذوا الحكمة من سائق التاكسى الأسود
الإثنين، 13 ديسمبر 2010 12:37 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة