د. أحمد لاشين

كلاكيت تانى مرة: الظهور الموسمى للعذراء والحسين

الإثنين، 13 ديسمبر 2010 07:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليل داخلى.. مسجد الحسين.. حلقات ذِكر، حالة وجد تليق بذكرى حدث مقدس، أجواء تشى بجلال شىء منتظر، ظلام، انقطاع الكهرباء، تعلو هتافات: الله أكبر، من داخل المسجد التاريخى، فقد ظهر الحسين.

ليل خارجى.. كنسية الوراق.. تجمع مهيب ،آلاف يحتشدون فى بهو وأمام كنسية معجزة الظهور، فى انتظار اللحظة الموعودة، إيمان جارف بوعد ظهور السيدة العذراء التى سوف تناصر أحباءها فى أزمتهم الأخيرة.

فلاش باك
فى مثل هذا اليوم تقريباً من العام الماضى، ظهرت السيدة العذراء فى العديد من الكنائس المصرية، احتجاجاً على أحداث الفتنة الطائفية التى وقعت فى نجع حمادى، وظهر الحسين مع أمه السيدة فاطمة الزهراء فى سماء كربلاء، تضامناً من أزمات الشيعة فى العراق، وفى مثل هذا اليوم كذلك، كتبت مقالاً تحت عنوان (تجليات العذراء.. وظهور فاطمة الزهراء فى العراق) فى نفس الموقع، تعليقاً على نفس الأحداث.. الفارق الوحيد بين العامين أن الحسين اليوم يظهر عندنا، فى مصر، ولا فارق جوهرى بين التصوف والتشيع فى المخيلة الشعبية أمام حدث يليق بمآسينا الفكرية، والعذراء لم تظهر بعد، ولكننا فى الانتظار.

يبدوا أنها سيناريوهات معدة مسبقاً لتنفذ فى مثل هذه الأيام، وكل ما علينا أن نرصد التكرار، أحياناً ما يتهمنا القراء بتكرار ما نقول، وكتابة ما كررناه، وأن الكتّاب للأسف قد أفرغوا حمولتهم على رؤوس الخلائق، وتفرغوا للاجترار، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فشعوبنا هى من تفعل ذلك بامتياز، أليس فى مقدور أى منا أن يقرأ أخبار اليوم بعد أسبوع من الآن، فيعرف ما حدث العام الماضى؟!، أليست مآسينا تتكرر بشكل أفقدنا حتى الإحساس بها؟!، والأدهى أننا نستخدم نفس الحلول ونفس الحيل التى اعتدناها لنتحمل أوجاع مصيرنا المعلوم، ما عاد شىء يُدهش، كل الأحداث مرتبة مسبقاً، أزمة سياسية تليها فتنة طائفية، تعقبها المعجزات المتتالية، متزامنة مع الأعياد والمواسم المقدسة، سواء أعياد ميلاد مجيدة، أو بداية سنة هجرية، أو احتفالات عاشوراء الحسين، مصائب موسمية تعقبها حلول مقدسة موسمية أيضاً.

فى رأيى المتواضع، أن تلك السيناريوهات الثابتة التى تتم بتلقائية مدهشة أحياناً، تؤكد على مصيبتين،الأولى: ذاكرة مثقوبة نحملها فى أذهاننا، فكل ما حدث بالأمس يُعاد بنفس الحماس والجدية اليوم، وكأننا لم نعلم أو نتعلم طريقة جديدة أو مختلفة سوى انتظار الحلول السماوية داخل المساجد والكنائس، أى ثبات فكرى وتثبيت للصور التى فى أذهاننا عن دعم السماء لأوهامنا الخاصة جداً.. فبعيداً عن قداسة الشخصيات أو قدسية دور العبادة، ما زال تفكيرنا أسير فكرة الخلاص، فكل مشاكلنا لن تُحل إلا بعد أن تطمئننا السيدة العذراء، أو يدعمنا الإمام الحسين، حتى يأتى علينا العام الجديد بانتخابات جديدة أشد قسوة، وفتن طائفية أكثر ضراوة، وانقسامات داخلية تشى بانهيار، ونحن ما زلنا فى انتظار.

المصيبة الثانية، تؤكد انعدام أى رغبة فى التغير،أو التغيير، فكل مبشرى الثورة الجديدة التى لا تتعدى عالم النت الافتراضى، وكل أنبياء مرحلة التغيير الاجتماعى الكاسح من معارضة أو إخوان أو ذلك الذى يخاطبنا عبر الفيس بوك والتويتر، أثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أنهم غير جديرين بمخاطبتنا، لأنهم يتحدثون عن شعب آخر، ومجتمع ليس له وجود، حتى وإن زعموا أنهم منا وعلينا، ويفهمون ما نعانى وهم فى طائرتهم الخاصة أو يتابعون مشاريعهم التجارية الضخمة، فهذا لا يتعدى مجرد صفقات كنا نحن ضحيتها الوحيدة، فنحن قادرون على تجاوز كل ما نعانى، فى لحظة حلول الظلام أو انقطاع الكهرباء فى مسجد أو كنسية، ولسنا فى حاجة إلا لمباركة أوهامنا لنا، فطالما الحسين ظاهراً أو العذراء على وشك، فنحن بخير.

الأمر برمته مرير، كيف نسعى لتغير اجتماعى أو سياسى، وهناك من يؤكد لنا أننا على صواب دائم، فكل رجالات وزارة الأوقاف قد أيدوا كرامات الأولياء، وكذلك سيفعل رجال الكنسية كما فعلوا سابقاً، وكما سيفعلون كل عام على اختلاف التصريحات والعبارات المستخدمة، فالعمرانية لم تختلف عن نجع حمادى أو فرشوط أو ما يستجد، حتى وإن كان الأبطال حكومة أو شعباً، والعذراء هى الحل الأخير، والأقرب للمخيلة الشعبية، فلن يتغير شىء مطلقاً.
المأساة الحقة كامنة هنا فى الطريقة التى نفكر بها، وليست فى أفراد أو نظام يتغير أو يرتدى ثوب التغيير، فمع كل ما نكنه من احترام لكل الأولياء والقديسين وآل البيت، فلنكف عن الانتظار، لنخلى بيننا وبين أنفسنا علنا نرى حقيقة قبحنا فى مرآة واقعنا، لندرك أننا لا نستحق مباركتهم، فكل المعجزات عاجزة عن ما نعانى بالفعل، فرغم أننا نمجد ذكراهم كل عام، وننتظرهم بلهفة الخلاص، ومتحملين كل الآلام السنوية المعتادة، إلا أنهم قد يظهروا فى لحظة مجيدة ليعلنوا انسحابهم من عالمنا الذى ضاق بنا، وحتى تحين هذه اللحظة لن نملك سوى الوهم المتجسد فى خيالنا.

وإلى لقاء سنوى قريب مع انتخابات قديمة، وفتن معادة.. فالحال يبقى على ما هو عليه حتى ظهور آخر.

* أكاديمى مصرى





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة