بيشوى رمزى رياض يكتب: الدولة المدنية والمرجعية الدينية

الإثنين، 13 ديسمبر 2010 05:18 م
بيشوى رمزى رياض يكتب: الدولة المدنية والمرجعية الدينية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
" كان واجبا إنسانيا وإسلاميا" كان هذا تصريحا من جانب رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان، معلقا على المساعدات التى قدمتها تركيا لإسرائيل لاحتواء الحرائق التى شهدها جبل الكرمل فى الأيام القليلة الماضية، وهو ما يعكس الطبيعة المدنية التى يتمتع بها حزب العدالة والتنمية التركى، بالإضافة إلى مرجعيته الدينية، ومن هنا يثور التساؤل حول العلاقة بين المرجعية الدينية من ناحية، والدولة المدنية من ناحية أخرى، فى ظل العديد من الادعاءات التى يتبناها بعض المتشددين أن ثمة تعارضا بينهما، على اعتبار أن مدنية الدولة تناهض تعاليم الدين ومبادئه.

لو نظرنا إلى التاريخ نجد أنه حافل بالعديد من المواقف التى شهدت تأييدا قويا من جانب المؤسسات الدينية للنظام المدنى، ولعل أول ما يتبادر للذهن فى هذا الإطار الدعم القوى الذى شهده حزب الوفد القديم فى مصر، بالرغم من ليبراليته، من جانب كل من الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، وهو ما يعكس أمرين فى غاية الأهمية:

الأول: أنه لا يوجد فى الأديان السماوية ما يتعارض مع النظام المدنى للدولة، خاصة وأن المبادئ التى تقوم عليها الدولة المدنية كالديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان لا تتعارض مع مبادئ أدياننا وتعاليمها.

الثانى: أن دور الدين والمؤسسات الدينية لا يتوارى فى ظل مدنية الدولة، وإنما يظل بارزا، وهو ما يعنى أن الدولة المدنية تكون أكثر قوة وبريقا إذا تمتعت بدعم دينى من جانب المؤسسات الدينية.

يعد حزب العدالة والتنمية التركى، مثالا بارزا للأحزاب المدنية ذات المرجعية الدينية، فقد اتسم الحزب التركى الحاكم باعتداله البالغ تجاه مختلف القضايا الداخلية والخارجية، فقد نجحت الحكومة التركية فى تحقيق المعادلة الصعبة، بحيث لا تطغى طبيعتها المدنية على مرجعيتها الدينية من جانب، ولا تطغى كذلك مرجعيتها الدينية على طبيعتها المدنية من جانب آخر.

ويظهر هذا الاعتدال جليا فى التعامل التركى مع العديد من القضايا، ففى الوقت الذى تعلن فيه الحكومة التركية تمسكها بالمبادئ العلمانية التى تقوم عليها الدولة التركية منذ عام 1923 ، نجد أن الحزب الحاكم ينجح فى إلغاء الحظر المفروض على الحجاب الإسلامى داخل المؤسسات الحكومية، على اعتبار أن مثل هذا الحظر يعد انتقاصا من الحريات وكذلك تطرفا علمانيا غير مقبول، لا يراعى المبادئ والشرائع الدينية، وهو ما لاقى قبول غالبية الأتراك نظرا لمراعاته للجانب الدينى دون المساس بمبادئ الدولة المدنية.

من ناحية أخرى، نجد أن السياسة الخارجية التركية تمتعت بقدر كبير من الاعتدال، لم يكن موجودا قبل أن يصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم فى بلاد الأناضول، فمرجعية الحزب الدينية فتحت الباب أمام علاقات تركية وثيقة بمحيطها العربى والإسلامى، ولكنها فى ذات الوقت احتفظت بعلاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب، من خلال دور قوى و بارز فى حلف الناتو، دون أن تكون هناك تبعية تركية لأحد.

احتفظ كذلك الأتراك بحد أدنى من العلاقات مع إسرائيل، رغم التوترات التى انتابت العلاقات بين البلدين خلال الفترة الماضية، وبالتالى احتفظت تركيا لنفسها بمسافة متساوية مع كافة الأطراف، وهو ما فتح الباب أمام دور تركى بارز فى كافة القضايا الإقليمية والدولية.

من هنا نجد أن النجاح الذى حققه حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا يكمن فى قدرته الفائقة على الجمع بين مرجعية الحزب الدينية من ناحية، وطبيعته المدنية من ناحية أخرى، ويأتى هذا التوازن التركى انعكاسا لإدراك الساسة الأتراك بأن الأولوية لديهم لابد أن تكون للمصلحة التركية، بعيدا عن أية انتماءات أو مصالح حزبية ضيقة، وهو الأمر الذى لم تعيه دول أخرى كالسودان، على سبيل المثال، والتى يهددها شبح التقسيم بقوة، فضلا عن المعاناة السياسية والاقتصادية التى تشهدها دول أخرى كاليمن والصومال وغيرها.
فى الواقع أنه لا تعارض بين الطبيعة المدنية للدولة ومسألة المرجعية الدينية خاصة فى ظل القدرة على الاحتفاظ بالتوازن بينهما، فالمرجعية الدينية هى الإطار الذى يحمى الدولة من التطرف العلمانى، خاصة فى مجتمعاتنا الشرقية، والطبيعة المدنية هى الإطار الذى يحمى الدولة من التطرف الدينى وبالتالى يحمى وحدتها وأمنها ومصالحها.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة