كان من الممكن أن تكون الانتخابات البرلمانية هى آخر أحزان مصر التشريعية فى مسالة الانتخابات، والقصص المتكررة عن التلاعب بنتائج بالانتخابات، ولاسيما أنه لا يوجد على الساحة المصرية إلا فقط الحزب الوطنى الديمقراطى كقوة سياسية حزبية رئيسية وحيدة تمتلك الآن مجلس الشعب وجميع مقاعده، ومن المعروف أن الحزب الوطنى الديمقراطى هو الحزب الوحيد الذى يحظى بالقوة الرئيسية لاجتذاب الأعضاء من جميع الأحزاب الأخرى بسبب أن السيد رئيس الجمهورية هو نفسه رئيس الحزب الوطنى، وهو ما يمثل بريقاً أقوى من بريق الذهب فى أعين الطامعين فى الكسب السياسى والمادى السريع.
وكان من المنتظر أن تنتهى الانتخابات باختيار وانتخاب مجموعة من أعضاء مجلس الشعب الذين يملكون الرؤى السياسية والوعى السياسى التى تمكنهم من الاشتراك الفعلى فى تقرير المسار المصرى خلال الأعوام الخمسة المقبلة بأقصى كفاءة ممكنة، وقام الحزب الوطنى باختيار مرشحيه الذين قدمهم للمنافسة الانتخابية على أسس ليس من بينها الكفاءة البرلمانية، ولكن غلب الفكر الاحترافى عندما رشح أكثر من عضو واحد فى بعض الدوائر، بل إنه رشح أكثر من ثلاثة فى بعض الدوائر، وليس من المعقول أن تكون أسس اختيارهم هى الكفاءة، فلابد منطقيا أن تختلف الكفاءة من شخص لآخر، وعلى العموم بين ثلاثة أشحاص مختلفين، وهذا يوضح بعض الأمور التى غلبت على اختيار مرشحى الحزب الوطني، ناهيك عما جاء فى تصريحات الأحزاب الأخرى بعد انسحابها وعن أسباب انسحابها.
وعلى هذا نأمل أن يكون مسار الحزب الوطنى فى الخمسة أعوام القادمة ليس مثل مسار الخمسة اعوام السابقة، وأن تكون أفضل منها فى الخمسة سنوات السابقة وأن يكون خروجا عليها وخلقا لمسار جديد يقوم على المصلحة البحتة لمجموع الشعب المصرى وليس لصالح فئة معينة منـه من المحظوظين فى الحزب الوطنى، مثل ما حدث فى السنوات الخمس الماضية، ونرجو أن يقوم الحزب بإرادته بتنقية أعضائه الذين يشوهون صورته مثل تزاوج السياسة بالسلطة، فمصلحة المجتمع المصرى تكمن فى تعاون الجميع والعمل على رقى المجتمع ولا تقوم أبداً على أنانية فئة واستئثارها بثروات الشعب، بحيث يزداد الفقير فقرا والغنى غناًً.
إن من أهم واجبات الحزب الوطنى فى الفترة القادمة العمل على رفاهية شعب مصر، بالإضافة إلى تصحيح ما سبق من أخطاء وتجاوزات من بعض أعضاء الحزب، وذلك بإعادة الثروات التى حصلوا عليها بدون وجه حق إلى الشعب.
وبالرعم من أن من تقدموا للترشيح مبدئيا كانوا حوالى خمسة آلاف عضو من مجموعة من الأحزاب، ولكنها مع الأسف انتهت بمأساة درامية بسبب انسحاب المستقلين والوفديين وغيرهم بسبب ما قالوه من أنه "تزوير فى الانتخابات".
وبالرغم من أنه لا يوجد شكل نظيف للرقابة الخارجية الدولية، لأنها دوما بداية للتدخل ومحاولات للسيطرة والهيمنة على الدولة التى تقع عليها المراقبة، إلا أن الشعب المصرى يمكنه وقف التأثيرات السلبية لتلك الرقابة، والتى يمكن أن تؤدى لأى سيطرة أو هيمنة على الدولة، وبالرغم من ذلك تمت الانتخابات برقابة محلية بحته، مما أدى إلى الشكوى من تزوير الانتخابات.
والموقف الآن بعد الأغلبية الساحقة لنواب مجلس الشعب وتبعيتهم للحزب الوطنى الديمقراطى، أن مصير الشعب المصرى سيصبح فى أيدى بعض العقول التى سبق أن أخطأت فى السنوات الخمس الماضية، بحيث أصبح الضمان الوحيد للشعب المصرى، هو شخص الرئيس محمد حسنى مبارك، فهل سيكون هذا المجلس خطوة إلى الأمام وأن يكون أكثر فاعلية من سابقه؟، إن الضمائر يجب أن تستيقظ لصالح الشعب المصرى من كل فرد فى المجلس وفى الحزب الوطنى.
إنه يوجد هناك الكثير فى مصر سواء كان فى النظام السياسى أو الاقتصادى أو القانونى والتشريعى ما يمثل اختلالات تحتاج برامج إصلاحية كثيرة.
وهذه البرامج تتطلب رجالا لديهم من النزاهة والوطنية ما لن يسمح بنجاحها إذا كان يشوبهم أى أنانية أو انعدام شفافية، مثل ما يحدث من تزاوج بين السلطة ورأس المال، وهذه الإصلاحات تحتاج إلى وقت طويل وشجاعة وسعة أفق، وقبول اجتماعى وسياسي، ومن المشاكل المتعددة التى تتضمنها تلك البرامج، منها ما يتعلق بالتعليم والصحة ومستويات الدخل والغلاء إلى درجة جعلتهم يجرءون بالسخط على ما هو قائم والإعلان عن رفضهم للأوضاع القائمة، وفى حالات عدم استطاعة الحزب القيام بما هو مطلوب بأعلى جودة، وأسرع وقت، فمن الأفضل لمن لا يستطيع القيام بالمهمة أن يتنازل لجماعات أخرى يمكنها تحمل المسئولية.
إن المرحلة المقبلة من مدة مجلس الشعب الجديد مدتها خمس سنوات إذا تم إقرار شرعية الانتخابات، فهل مجلس الشعب والحزب الوطنى الديمقراطى على استعداد أن يتبع تلك السياسات التى اتبعتها دول مثل تركيا وماليزيا وكوريا الجنوبية حتى نصل إلى ما وصلت إليه تلك الدول؟، المسألة تتطلب سياسات مختلفة للتعامل مع الدعم, والاستثمار،, وإدارة الثروة، والتعامل مع الفقراء والفقر، ومدى ونطاق المركزية وعلاقتها باللامركزية، ونطاق ومجال الدور الإقليمى، وكل هذه الأمور يجب دراستها وتداولها وبحثها فى مجلس الشعب، على أن يتم ذلك فى هدوء وحنكة وفطنة ووعى سياسى بمصالح الشعب المصرى.
وبعد نجاح الحزب الوطنى فى جولة الإعادة فهل ينجح فى تحقيق آمال وطموحات الشعب المصرى ؟؟؟!!! نأمل هذا.
وما قام به بعض المرشحين كمستقلين وهم فى حقيقة الأمر ينتمون إلى الجماعة المحظورة تنظيماً، ولكنهم من الناحية العملية تصرفوا من خلال تنظيم الإخوان المسلمين، بحيث بدأت الجماعة فى عملية شن حملة دعائية للتعبئة والحشد لا ترى فى المسألة كلها نوعا من التنافس السياسى الشريف، وإنما غزوة ومعركة وجهاد مما يخرج الانتخابات كلها من مجالها السياسى إلى مجال دينى يتسم بالعنف ونفى الآخر.
وقاموا باستخدام العنف باعتباره عمليات جهادية وليست انتخابية، فقد اقتحمت عناصر من جماعة الإخوان المسلمين جامعة الإسكندرية، وحطمت بعض منشآتها وأثاثها، وقامت بأعمال دعائية لمرشحيها داخل أسوار الجامعة.
وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة حاولت إفساد العملية الانتخابية كلها باستغلال الدين أولا لجذب تعاطف الجماهير والتلاعب بمشاعرها الدينية، وثانيا استغلال القانون من خلال التناقض ما بين حالة الجماعة كتنظيم وحالتها كأفراد مستقلين، وثالثا خلق حالة من التشهير بالدولة المصرية فى العالم الخارجى من خلال هندسة المواجهة مع قوة القانون المصرية، بحيث تجتذب التعاطف من القوى الليبرالية والمحافظة الأمريكية والغربية، واستخدمت ظروف العنف المختلفة، وسخونة التنافس الانتخابى للوصول إلى أهدافها فى تغيير طبيعة الدولة المصرية والمجتمع المصرى، ولكن برغم كل هذا مرت العملية الانتخابية بسلام بصرف النظر عن أى ادعاءات.
فهل يفى مرشحو الحزب الوطنى بما وعدوا الشعب به قبل الانتخابات، وهل سيقوم من نجحوا بالأموال بتعويض الأموال المنفقة بأضعافها باستغلال مواقعهم فى المجلس بالحصول على تأشيرات الوزراء للحصول على أراضى الدولة بأسعار زهيدة تقل عن تكلفتها؟.
وهل سيعود الضمير إلى بعض كبار المستثمرين بالحزب الوطنى ويقومون بواجباتهم فى التكافل الاجتماعى لإعانة الفقراء على فقرهم وإعادة الأموال المنهوبة إلى أصحابها ؟؟!! نأمل هذا.
* دكتوراه فى إدارة الأعمال ورجل أعمال.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة