رن الهاتف لقد وصلت التأشيرة عليك الحضور فورا لاستلامها هى وتذكرة السفر، وقد جاءه هذا الاتصال وهو جالس مع ابنته ذات العامين والنصف فهو معتاد على اللعب معها والغناء لها طالما هو فى البيت ولكنه وجد دموعه تنهمر وهو لم يبك يوما فهو معروف بتعصبه للرجولة ويعتبر أن الدموع تتنافى ومعنى الرجولة إلا للشدائد، ولكن كيف ترى ابنته دموعه كانت تلك المشكلة أخذ يستحلف دموعه أن تتوقف يرجهوا أن لا تظهر ضعفه أمام صغيرته فهى تراه السند والجبل الذى تحتمى به يدخل ليغمر رأسه بالمياه حتى تختلط دموعه بقطرات المياه علها تدارى تلك الدموع وبعد أن أبت الدموع أن تسمع لتوسلاته بالتوقف، وكلما نظرت إليه ابنته كان يصطنع إبتسامة ولكنها مصحوبة برعشة الشفايف عند البكاء، كلما نظر إليها وهى مازالت صغيرة لا تفهم حديثا ونظر لابنته الأصغر التى لم تستطع المشى بعد شعر بالغدر بهم لو أنهم كبار لشرح لهم الموقف ولكنهم صغارا شعر أنه يستغل هذا الصغر ولكن الوقت قد فات على هذا الحديث، وجاء يوم السفر ويا له من يوم يتمنى أن لا يمر الوقت وأن لا يأتى ميعاد الطائرة، يمر الوقت رغما عنه يداعب ابنته وكأنه يريد تعويضها فى تلك الثوانى عن غيابه لعدة شهور لا يصدق أنه بعد دقائق لن يراها إلا بعد شهور ويدخل غرفة صغيرته الأخرى التى تنام فى سريها مثل ملاك نائم ويقترب من وجهها ويلتقط بعضا من أنفاسها ويلمس خدها الرقيق ويحدث نفسه إنها البراءة نائمة لم تعد البراءة شيئا معنويا إننى ألمس البراءة، كيف سأتركك؟ ستصحو من نومها لأحملها وأداعبها فلن تجدنى ولن أغيب عدة ساعات بل هى شهور والله أعلم ,غدرت بها هى الأخرى فلم أخبرها بسفرى ولم تعلم بمغيبى، أزف الوقت وإضطر للنزول ودع زوجته وسط دموعها المنهمرة ونظراتها اللائمة على ما فعل باستقرار الأسرة وودع والدته التى تواجدت لوداعه , أخذ حقائبه ونزل وحيدا فالسيارة فى انتظاره يلقى نظرة وداع على بيته وتقف إبنته كعادتها اليومية فى الشرفة تقول له باى وتطبع قبلة على يدها الرقيقة وترسلها له فى الهواء فيظل يستنشقها حتى يعود ولكن هذه المرة سيتأخر فى عودته، يستقل السيارة ويشعر أن السائق هو أقرب الناس فهو يريد أن يتحدث يفضفض حتى لا تسيل دموعه مرة أخرى يذهب إلى تلك البلد ويظل فى عمله وتأتيه أخبار حزن إبنتيه وزوجته وكيف أنهم لا يستطيعون حتى التعبير بأن هناك من نفقده، يسعى الأب بكل ما أوتى من قوة إكمال أوراق إقامته وينجح فى إستخرج تأشيرة لهم رغم إستغراب كل من حوله حيث المدة من وجهة نظرهم قليلة جدا ومغزى التوفير فى السفر سيذهب سدا وهو لا يرى أمام عينيه إلا أن يثبت لأسرته أنه غادر من أجلهم ولم يغدر بهم، وجاءت لحظة الانتظار بالمطار يترقب كيف ستستقبله أسرته منتظرا أن تجرى ابنته من بداية صالة الوصول حتى نهايتها لترتمى فى حضنه كما كانت تفعل، وعند رؤيته لهم شعر بأن الدنيا عادت إليه وأنه عاد للحياة مرة أخرى ولكن ابنته لم تجرْ عليه لم تهرول لترتمى فى حضنه بل نظرت إليه نظرة لم يفهمها هل هى عتاب هل هى إستغراب هل هى خوف لا ليس خوفا فهو يعرف إبنته فهى لا تذهب لأحد لا تعرفه أو تخاف منه، عندها قال ما قيمة المال وما قيمة الغربة فى الوقت الذى لا تعرفنى فيه ابنتى وحمد الله أنه لم يستمع لمن حوله حمد الله أن أسرته أصبحت معه، حمد الله أنه لم يقصر فى حق أسرته، وبات ليلته وهو يحمد الله أنه إستطاع أن يثبت لهم أن سفره لم يكن غدرا بل كان مغادرة.
