محمد فهيم

عد إلينا زمن العز

السبت، 11 ديسمبر 2010 07:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نبع فيض الحضارات الإنسانية على مر التاريخ من فكرة نمت وكبرت وازدهرت بقلب آمن بها وعقل وسعها وكانت النبتة الأولى فى شجرة الفكر الإنسانى هى فكرة التوحيد التى قطفت ثمارها البشرية فعرفت خالقها على يد آدم المعلم الأول ومن بعده شيث وإدريس ونوح وإبراهيم وباقى رسل الله حتى خاتمهم محمد (ص) .. وظهر أصحاب أفكار أثروا البشرية من أمثال إخناتون الذى وحد الآلهه فى إله واحد، وأفلاطون صاحب فكرة "المحرك الأول" وأن الله هو الحقيقة الفعلية فى هذا الكون وأقنع بها فيليب المقدونى وتبعه أرسطو الذى علم الإسكندر الأكبر هذه الحقيقةفآمن بها عقله وقلبه فغزا العالم وكون إمبراطورية عظمى ومات فى الثالثة والثلاثين من عمره، وفى صفحات التاريخ الإسلامى كتبت سطور من نور لقادة عظام بنوا المجد والتاريخ ووقف خلفهم علماء أصحاب فكرة آمنوا بها وآمن معهم هؤلاء القادة فذكرهم تاريخ الأبطال وتاريخ الأجلاء من العلماء، فها هو الإمام أحمد بن حنبل شهيد الحق يتصدى لدعوى "خلق القرآن" ومات فى سبيل الدفاع عن قضيته، وهاهم المعتزلة قد حملوا على أكتافهم حملة تنقيح السنة وربطها بكتاب الله ثم أتى الأشاعرة "أبو الحسن الأشعرى" ليضبطوا فكر الإسلام بعدما انحرف المعتزلة وقاوموا الأفكار الباطنية كإخوان الصفا والحشاشة والإسماعيلية، ويظهر الإمام أبو حامد الغزالى حجة الإسلام ليجمع للدين قلبه وعقله معا بالتصوف الصحيح، فعاش الإسلام على أفكارهم قرون عز وازدهار.

ويبرز دور جديد لأصحاب الفكر من العلماء كالإمام ابن تيمية الذى يراه تاريخ العلماء بين صفوف المجاهدين يدفع القائد عماد الدين زنكى ونور الدين محمود لتطهير الأرض والعرض والدين من الغزو الصليبى بالشام.

أما سلطان العلماء العز بن عبد السلام فقد سطر التاريخ اسمه بحروف من لؤلؤ بعدما وحد المماليك فى وجه لويس التاسع وجمع سيف الدين قطز والظاهر بيبرس والناصر قلاوون فأسروه فى المنصورة وكانت آخر الحملات الصليبية فى العصور الوسطى على مصر، ويزحف التتار ليدمروا الشرق الإسلامى والخلافة فى بغداد، ونظر العز بن عبد السلام لحال المسلمين فوجدهم يعيشون فى قتر وضيق وضنك أموات فى شكل أحياء بينما يعيش قادتهم فى رخاء وبذخ وفسق وفجور، حتى إن جنكيزخان وتيمورلنك قالوا عنهم "ملوك ظلمة قد أشبعوا أنفسهم وأجاعوا أمتهم وغفلوا عن مفهوم العدالة والمساواة والحق فى دينهم" لذا سلط الله عليهم التتار كالجراد يمحون ذكرهم ويقضون على سيرتهم وينزعون من فوق رؤسهم تيجان ملكهم المرصعة، ويضعونها فى الوحل، وبذلك يكونون قد حققوا مفهوم التطور البشرى وحركة التاريخ الأزلية التى تأتى مع الصالح وتتفلت من بين يدى الطالح، ومن العجب أن يتحول وحوش التتار من مصاصين للدماء إلى ملائكة تجوب القفار تنشر دعوة الإسلام الذى آمنوا به على يد خاقانهم "تكودار"
فوقف سلطان العلماء فى وجه أمراء المماليك الذين أرادوا أن يحاربوا التتار حتى آخر قطعة خبز فى فم الشعب وآخر قطرة دم ونفس لديه ففرضوا الضرائب على الأرض والسكن والرجال والنساء والأطفال بينما خزائنهم زاخرة تكتظ بالكنوز ..فعزف الإمام عن عطاياهم ورفض مناصبهم وقام بتجريدهم من أموال لاحق لهم فيها وباعهم فى مزاد علنى ليدفع أكثر من أراد أن يشترى فدفعوا ليعتقوا رقابهم وتم جمع المال للجيش وانتصر القادة بعالمهم على التتار فى عين جالوت بعدما انتصروا على أنفسهم وسطر التاريخ للعز بن عبد السلام الفضل الأول فى القضاء على الصليبيين والتتار معا.

وها نحن اليوم بعد جوع وفقر ومرض وجدب فلا سماء تمطر ولا أرض تنبت إلا زرعا نخاف ان نأكله بعدما لوثته السرطانات .. والعدو يتربص بالنيل فيأبى أن يفيض بعدما شقوا صدره بالسدود ..ونسينا القواعد التى تجمعنا وسرنا بالدروب التى تفرقنا فيها.. وتبحث عنا فى حقول المعرفة وبراءات الاختراعات فلا تجد لنا أثرا وفى مجالات الإنتاج فلا تحس لنا وجودا وفى الأخلاق والفضيلة والحريات المشروعة والعدالة المنشودة تعود صفر اليدين خالى الوفاض .. وحكومات طاغية تحكم بالحديد والنار..وجماهير جائعة تلهث وراء القوت والمسرطن والماء والهواء الملوثين.. وفن يدور فى فلك اللذة وإثارتها ..ومتدينون مشغولون بالمامات الفكرية تخصصوا فى التفاهات ونسوا أن الغرب غزا الفضاء واخترق الآفاق.. ومثقفون لا يعلمون من العقل إلا إلحاده ومن الفكر إلا ضلالاته ومن الخلق إلا رذائله يصرون أن يحاربوا الدين بجهل الفكر والفكرة وغياب الوعى تحت ثأثر مشروبات الغرب الروحية وظلاماته وجهالاته الحديثة.. وعلى النقيض يقف العالم فى القمة ونقبع نحن فى القاع نجثو على أيدينا وأرجلنا ونهيم على وجوهنا ترغم أنوفنا فى التراب نحلم بفتات يسقط من بين يديه أو يلقيه إلينا متكبرا بعزه فرحنا بذلنا .

ويخطئ من يظن أننا فى حاجة إلى أفكار فتاريخنا الفكرى الذاخر علم العالم وأضاء السماء وخفت له نور الشمس وضوء القمر يكفينا.. ولكننا نحتاج إلى من ينفض عنه تراب سنوات الخزى والذل والعار ويعلى شأنه ويؤكد أن عزتنا فيه كما قال الفاروق "لقد أعزنا الله بالإسلام فإن إبتغينا العزة فى غيره أذلنا الله".. نحتاج إلى عالم كالعزبن عبد السلام يضع من سرقوا القوت ونهبوا الثروات وخانوا الأرض ودنسوا العرض وأجاعوا الملايين وأمرضوها وقتلوها فى شبابها وسرقو الفرحة من القلوب والبسمة من الوجوه ولم يبق إلا الدموع ترتسم فوق الوجوه وقهروا الأمان ولم يبق إلا الخوف والجبن والحرص على حياة الموت لايختلف عنها فى شيىء .. نحتاج إلى عالم كالعز ينصب المزاد ليبيع أصحاب الكروش والخزائن والقصور ويسألهم من أين لك هذا؟ ولاشتروا أنفسهم كما فعل المماليك ويعيدوا الحق لأهله ويحيى الموتى ويطعم الجوعى ويموت الخوف من الصدور.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة