شريف حافظ

مصر دولة للجميع

الجمعة، 10 ديسمبر 2010 07:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أدرك تماماً، مُنذ عدة سنوات أن بداخل مصر عدة أمصار، حسب فكر الناس، فهناك مصر الناس المتعلمة ومصر الناس أنصاف المتعلمين "وهم الأغلبية ممن تعلموا"، وهناك مصر الناس البسيطة، غير المتعلمين، وهناك مصر الناس الراقية وهناك مصر الناس الفقراء، وهناك مصر وفقاً للأحياء السكنية، رغم أن هناك نوعاً من التداخل الذى شاب تلك الأحياء، مع وجود طفرات اقتصادية مختلفة، وهناك مصر المناطق الجغرافية، حيث لدى مناطق معينة "استقلال فكرى" خاص بهم، فى رؤيتهم لمصر ومشاكلها.

الجديد أو المُستجد، بالنسبة لى، هو أن القوى السياسية فى مصر، أيضاً قسمت مصر إلى أمصار، شكلت جُزراً منعزلة، ورأت تقسيم الدولة "وهمياً" من أجل الحل، من وجهة نظرهم، فيما عدا المتقلد زمام الأمور، وهو الحزب الوطنى، فقوى المعارضة، تطرح "بدائل" للأشكال الحقيقية، أرى أنها مفيدة فى جزء كبير منها، ولكنها أيضاً، تُشكل ما آل إليه الوضع، من تفسُخ، فى عدم قُدرتها على القيام بواجبها الحقيقى.

فطرح الوفد "حكومة الظل" وطرح الدكتور أيمن نور، بحزب الغد، "البرلمان البديل"، هى أمور جيدة ومُعلمة للكافة، تخلق مُشاركة مُجتمعية، تُساعد الدولة الحقيقية فى خلق ما تريده من دولة مدنية، ولكنها فى الوقت نفسه، تستقل بمصر وهمية، بعيداً عن مصر الأصلية.

إنها حلول، وصلوا إليها من الضيق بالتأكيد، نتيجة للتضييق عليهم. إن خلق الحلول البديلة للدولة كثيرة وقديمة، وهو ما أدى بنا إلى أن الأغلبية فى المعارضة، تحيا داخل أسوار فكر، مُغايرة فى كثير من الأحيان، لما هو يُعبر عن الواقع الذى نحياه، وتخرج حلول المشاكل من قبلهم، غير مُعبرة عن تحليل واقعى للأمور.

ففى مسألة العلاقات مع إسرائيل، على سبيل المثال، نجد الكثير من قوى المُعارضة، لديهم حنين للماضى، غير عابئين بالواقع، ومحاولين إرضاء الناس البسيطة، وليس بمعايير الحساب السياسى الحقيقى، فبينما لديهم كل الحق، فى مُساءلة الدولة حول مسألة بيع الغاز لإسرائيل بأسعار بخسة، ليس الأمر كذلك، حين يتحدثون حول "إلغاء" المعاهدة مع إسرائيل، لأن الوضع تغير كثيراً فيما بعد هزيمة 1967. إن الحديث بمنطق عصور أُخرى إنما يجعلنا نسأل وعن حق، هل هؤلاء يحكمون بعقولهم أم أنهم غُيبوا فى دولة "أخرى" بعيدة، لم يعُد لها وجود من الأصل إلا فى أوهامهم؟ إنها دولتهم البديلة، التى لا تمت للواقع بصلة!

ونجد الإخوان مثلاً، يريدون دولة الخلافة، فى فصيل منهم، مُعلنين أنها من الدين، رغم أنها ليست من الدين فى شىء، لأنها صناعة الصحابة وليست صناعة الرسول، عليه الصلاة والسلام، ولكنهم يزرعون فى أذهان البُسطاء، أنها الدولة التى "يتوجب" أن تقوم فى عصر أصبح التعايش بين الناس هو السمة الأساسية، على مستوى العالم، بينما تلك الدولة تُحرم على غير المُسلم الولاية العُظمى، مما يستتبعه، أنه لا يُعترف به كمواطن كامل، مما يؤدى إلى أن الإخوان إنما يقومون بذلك بدعوة "الغرب" إلى التدخل، بنفوذه وقوته، بما لديه من مبادئ عالمية، ليتذرع بما لا يهمه من الأصل، ولكن يكون قد مُنح الذريعة للتدخل من قبلهم، فى شئون بلادنا! وبالتالى، يكونون بأجندتهم "المتأسلمة"، وليست "الإسلامية" فى الحقيقة، يستهدفون الأمة المصرية، بدلاً من خلق الفضيلة فيها! إنهم يخلقون دولتهم الوهمية أيضاً!.

وفى إطار الدولة الوهمية أيضاً، نجد الأقباط وقد وضعوا فرضيتهم للدولة، وهُم مُحقون فى جزء، حيث إنهم يتعرضون لما لا يُطاق، كل فترة ضئيلة، من تعدٍ واعتداءات، وهنا، لا أُبرء أحدا، ولكن، أليس من حقهم الصلاة فى كنيسة، يحصلون بسهولة على تصاريح بناء لها؟ أليس من حقهم أن يحيوا فى سلام وأمان؟ لو أن أمانهم تحقق اليوم، لما لجأوا إلى عُزلتهم فى دولتهم، "الوهمية"، ولشاركوا الجميع فى رؤية مصر الكل. إن لديهم حقوق لا يحصلون عليها فى ظل "دولة المواطنة" التى يتكلم عنها النظام، الذى استقل، هو الآخر، بدولته، التى يتوهم، أنها متواجدة، ولكنها كذلك فى أحلامه فقط.

وعلى مستوى المجتمع، أصبح هناك دولة غاية فى الوهمية، حيث الكثيرين، لا يتابعون أى أمر فى الشأن العام على الإطلاق، ولا يعرفون أى شىء يجرى فيها، إلا ما يحدث فى الكرة وبين الفنانين، ليس أكثر! هؤلاء، لا يهمهم أى شىء، فى الدولة، إلا أنه مسهم بشكل مباشر جداً! لا يفرق معهم أى شىء، ويقولون، "دى بلدهم يا عم، هى بلدنا أحنا يعنى؟" إنهم ورغم أنهم بعيدون، قريبون للغاية، لأنهم يدركون تماماً، ما يحدث، من انعدام للتغيير الحقيقى على الأرض، رغم أن تغييراً ما يحدث بالفعل، ولكن لا يمس المواطن العادى!.

لقد أصبحت بداخل مصر العديد من الدول الوهمية، لكل فئة وكل أيدلوجية وكل دين، دولة فيها! إن التفكير بداخل الدولة المُنعزلة عن الدولة الحقيقية، من قبل كل تلك الدول "الوهمية" يخلق جزءا من الحل لمشاكلنا، ولكن كل مجموعة أو حزمة من "الحلول" تصطدم بغيرها، لأن الدول هنا لا ترى مصالح غيرها من الدول، ولا تطلع على حلول الطرف الآخر! ولذا يجب وأن يعود الانتماء للأصل، للدولة الواحدة، حتى يمكن أن نجد حلولا واحدة غير متصادمة، لها، بحيث تتحقق أغلب المصالح، للجميع، ونخلق الدولة الواحدة للكل بالفعل، وليست تلك الدولة الوهمية، المزورة للحقيقة.

ومصر أولاً

* أستاذ علوم سياسية









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة