سألنى ابنى: هل شهدت مصر فى تاريخها أى انتخابات حقيقية؟
قلت: مرتين على ما أذكر، الأولى فى عام 1976 فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حين اتخذ قراراً بتطبيق النموذج الغربى فى مصر بكل حذافيره، اقتصاد مفتوح، وحياة حزبية، وانتخابات ديمقراطية تعبر عن الناس بشكل حقيقى.. لكنه بعد ثلاثة أعوام ضاق بالديمقراطية، وقرر حل مجلس الشعب لأن 19 نائبا عارضوا معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وتم إسقاط 17 منهم فى الانتخابات التالية، ونجح اثنان فقط بالعافية.
والثانية فى عام 1990 عندما قاطعت جميع الأحزاب الانتخابات البرلمانية احتجاجا على تعديل القانون الانتخابى، وإلغاء نظام القوائم والعودة إلى الانتخاب بالنظام الفردى، وفى تلك الانتخابات تنافس فقط الحزب الوطنى مع المستقلين.
سألنى مرة أخرى: ولماذا لا تجرى أى انتخابات حقيقية؟
قلت: حينما قامت ثورة يوليو 1952 حلت الثورة الأحزاب، وأقامت نظاما سياسيا حاكما يقوم على حزب واحد، هيئة التحرير ثم الاتحاد القومى، ثم الاتحاد الاشتراكى العربى، ولأنه لم يكن مسموحاً لأحد بممارسة العمل السياسى خارج هذا الحزب الواحد، أصبح الحزب هو من يحكم ومن يرشح ومن يختار، وبالتالى اعتبرت السلطة نفسها بديلا عن الشعب، تختار نيابة عنه.
وظلت مصر منذ ثورة 1952 حتى 2005 لا تجرى فيها انتخابات لاختيار رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح، بل يطرح اسم واحد للشعب للاستفتاء عليه بنعم أو لا، وكانت النتائج تأتى غالبا بنعم بنسبة 99.999%.. وفى تصورى أن مصر لم تخرج بعد من هذه العقلية الاستفتائية، وتتعامل مع الانتخابات بهذا المنطق حتى الآن!
سألنى ابنى أيضا: ولماذا يطلبون منا فى كل مرة الذهاب للانتخابات طالما هى تجرى دائما بهذا الشكل.. وطالما أن ذهابنا من عدمه ليس له أهمية؟
قلت: حتى تبدو الصورة العامة وكأنها انتخابات.. يعنى تشارك الأحزاب.. وآلاف من المستقلين.. وتشتعل المنافسة بين الجميع أمام وسائل الإعلام المصرية والعالمية.. وتذهب بعض الجماهير للإدلاء بأصواتها.. لكن من يتحكمون فى هذه العملية غالبا ما يفشلون فى إخراج المشهد النهائى بشكل سليم فيتم إسدال الستار فى كل مرة بشكل عبثى.. وتبدو الانتخابات مثل كل انتخابات سابقة!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة