عصام سلطان يكتب: فى فقه المقاطعة

الأربعاء، 01 ديسمبر 2010 11:25 م
عصام سلطان يكتب: فى فقه المقاطعة عصام سلطان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أرسل المحامى الكبير عصام سلطان لـ"اليوم السابع" مقالاً قام بنشره فى إحدى الصحف المستقلة قبل إجراء انتخابات مجلس الشعب حول مقاطعة الانتخابات، ويرغب فيى إعادة نشره بالموقع الإلكتروني لـ"اليوم السابع" ليتاح لقطاع من القراء مطالعة هذه الأفكار التي تبرهن وجهة نظره في جدوى المقاطعة.

"اليوم السابع " تنشر المقال للمحامى الكبير والسياسى البارز ، إعمالا لإثراء الحوار الليبرالى حول الوضع السياسى الراهن . وفيما يلى نص المقال:



"يرى الصديق العزيز الدكتور محمد البلتاجى نائب الإخوان، ويؤيده الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد، صعوبة اتخاذ الإخوان قراراً بمقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادمة لاعتبارات عملية كثيرة تواجه الجماعة، ويطلبان من أعضاء الأمانة العامة للجمعية الوطنية للتغيير إجابات عن أسئلة تواجههما فى الصف الإخوانى أولاً، وفى الشارع المصرى ثانياً، من هذه الأسئلة أن عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة، وعشرات الآلاف أيضاً من الناخبين، خاصة فى الدوائر الثمانية والثمانين التى يمثلها الإخوان، يطرقون أبوابهم كل يوم ويضغطون عليهم بألا يقاطعوا الانتخابات، وألا يتركوهم نهباً لنواب الحزب الوطنى، وأن نواب الإخوان يعانون من ذلك أشد المعاناة، ومنهم الدكتور البلتاجى نفسه، الذى يواجه هذا الكم الهائل من المواطنين بدائرته بشبرا الخيمة، ولذلك فهو وإن كان يرى ومعه الدكتور العريان أن قرار المقاطعة قد يكون صحيحاً، فإنهما يحثان أعضاء الجمعية الوطنية لإمدادهما بإجابات وردود تعينهما على ما يواجهانه.

وقريباً من هذا الاتجاه يفكر الدكتور حسن نافعة منسق الجمعية، الذى وإن كان يقتنع شخصياً بقرار المقاطعة، إلا أنه يتفهم موقف الإخوان من أنهم كجماعة محظورة – على حد قوله – ليس أمامهم لممارسة عملهم العام، إلا الاحتفاظ بمقار لنواب يتمتعون بحالة الحصانة تعويضاً عن حالة الحظر، كما يطرح الدكتور نافعة، مدير اللقاء، سؤالاً على أعضاء الجمعية التى تصدر كل القرارات عنها بالتوافق، وهو كيف نتوافق على قرار المقاطعة لانتخابات مجلس الشعب فى حين أن الإخوان يتجهون إلى المشاركة؟

دار ذلك كله فى اجتماع الأمانة العامة للجمعية الوطنية للتغيير مساء الأربعاء 15/9/2010م، بمقر حزب الجبهة، فى جدلٍ سياسى عميق وحوار وطنى راقٍ، انتهى إلى قرار الجمعية الوطنية بمقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادمة، وبقيت أسئلة الإخوان قائمة تحتاج إلى شىءٍ من التأصيل قبل الدخول فى التفاصيل.

والحقيقة أن الضغوط الإخوانية والشعبية التى تحدث عنها الدكتور البلتاجى، هى ضغوط حقيقية ومفهومة ومبررة، كما أن الرغبة فى الانتقال من حالة الحظر إلى حالة الحصانة التى تفهمها الدكتور حسن نافعة هى أيضاً مبررة، ولكن الأمور لا تدار هكذا، ولا تقاس بهذا المقياس، ولا توزن بهذا الميزان، ميزان الفعل ورد الفعل، أو ميزان الحظر والحصانة، وإنما تقاس الأمور عند الإخوان بمقياس الشرع وعند غيرهم بميزان المصلحة.

وميزان الشرع عند الإخوان يفرض عليهم درأ المفسدة قبل جلب المصلحة، فإذا كانت المفسدة ستعم الأمة جميعها، عن طريق انتخابات مزورة تنتج مجلساً مزوراً لاختيار وريث منتظر، وفى نفس الوقت فإن ذات الانتخابات ستجلب مصلحة للإخوان ممثلة فى امتصاص ردود أفعال المحيطين بهم، وإضفاء حالة من الحصانة أو الحماية الوقتية لبعض أعضائهم وعددٍ من مقارهم، فإن منطق الشرع هنا هو تقديم درأ المفسدة الكبرى أولاً التى ستعم الأمة جميعها، حتى وإن تسبب ذلك فى تفويت بعض المصالح القريبة على مقارٍ أو أفرادٍ أو كيانٍ هو فى النهاية جزء من الأمة وليس الأمة كلها، وفى هذه الحالة لا تكون الجماعة مفوتةً لمصلحة، وإنما تكون دافعة لفساد أكبر، فتثاب ويثاب أبناؤها.

وميزان الشرع عند الإخوان أيضاً، يفرض عليهم ألا يعملوا من أجل إرضاء الكثرة من الناس على حساب شرعية ومشروعية الهدف، بمعنى ألا يكون الحشد والتجميع والتجنيد على حساب الهدف المقرر بأدبياتهم (الله غايتنا) عملاً بالأصل المقرر فى الشريعة، أن من أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس، رضى الله عليه وأرضى عنه الناس، فالهدف يجب أن يكون إرضاء الله أولاً، ومقتضى هذا الإرضاء، حماية الأمة ككل، أرضاً وشعباً وخلقاً وتشريعاً وحكماً، فكل مشاركة فى تثبيت دعائم حكمٍ أو تشريعٍ يقوم على التزوير وإهدار إرادة الناس، هى مشاركة بعيدة عن منطق الشرع، حتى وإن كانت المشاركة فى إقامة هذا الحكم المزور أو شرعيته قد جاءت عبر بوابة إرضاء عدد من الناس وخشية من ضغوطهم، فالله أحق بالإرضاء والله أحق بالخشية.

وعموماً فإن منطق الكثرة والحشد والتجنيد عند الإخوان يحتاج إلى مراجعةٍ جادة، إذ أن المقرر فى عشرات المواضع فى القرآن الكريم، وعشرات ومئات المواقف فى سير الأنبياء والسنة النبوية والتاريخ الإسلامى، أن الكثرة دائماً مذمومة، وأن العبرة بالحق لا بالكثرة، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة، وأن طاعة أكثـر من فى الأرض تضـل عن سبيل الله، وأن هزيمـة حنين سببها إعجاب المسلمين بكثرتهم، وغير ذلك من المواضع الكثيرة.

بل إن الكثرة لا قيمة لها على الإطلاق، فالمقرر فى أصول الأخلاق الإسلامية، أن فعل رجل فى ألف رجل خير من قول ألف رجل فى رجل، وأن الحق قد يصدع به رجلٌ واحدٌ أتى من أقصى المدينة يسعى منادياً يا قومى اتبعوا المرسلين، وقد كان فى مقدور الله عز وجل أن يجعل هذا الرجل مليوناً أو أكثر أو أقل ممن ذكرهم أخونا الفاضل الدكتور البلتاجى، ولكن حكمة الله أبت إلا أن تجعله رجلاً واحداً مفرداً حتى نتعلم جميعاً ويتعلم الإخوان، ويكفوا عن استعراض أعدادهم وأعداد مؤيديهم بالمخالفة لمنطق القرآن (القرآن دستورنا).

هذا عن ميزان الشرع عند الإخوان، أما ميزان المصلحة الذى تقاس به الأمور عند غيرهم، فهو ما أجمع عليه الحاضرون جميعاً من شخصيات وأحزاب وكيانات بالأمانة العامة للجمعية، من أن المشاركة فى انتخابات مجلس الشعب هى خطأ من كل الوجوه، وأن أفضل مواجهة للنظام الحاكم، هو مقاطعة تلك الانتخابات التى ستُزَوَّر حتماً، فالمقاطعة هى بمثابة سحب للشرعية والمشروعية من تحت أقدام النظام فى الداخل والخارج، وهذا ما يبرر أن النظام بمجرد أن شعر باحتمال إجماع القوى الوطنية على قرارٍ بمقاطعة الانتخابات، ارتعدت فرائصه، وأخذ يبحث عن حل لمواجهة المقاطعة، فبدأ بسلسلة اتصالات منفردة بالأحزاب والكيانات والقوى السياسية، لعقد صفقات سرية على النحو الذى تم فى انتخابات 2005م، وكشف عنه الأستاذ مهدى عاكف فى مفاجأة مدوية منذ شهور، خففها ولطف من أجوائها الدكتور عصام العريان، حين وصفها بـ"التفاهم" بدلاً من لفط الأستاذ عاكف الثقيل "الصفقة".

هذان هما المنطقان، منطق الشرع عند الإخوان الذى يجب أن يقوم على تقديم درأ المفسدة، ومنطق المصلحة عند غيرهم من السياسين الذى يقوم على تعرية النظام وسحب شرعيته، فإن تبنى الإخوان خلاف المنطق الأول وجب عليهم أن يعلنوا الرأى الفقهى الذى استندوا عليه، وإن أرادوا تبنى خلاف المنطق الثانى وجب عليهم إظهار وجه المصلحة فى مد النظام أو إمداده بعمر جديد، وفى كل الأحوال، فإنه ليس مطروحاً على بساط البحث الخلط بين الأمرين، وابتداع أسئلة من أحد المنطقين ومطالبة الآخرين بالرد عليها من منطق مختلف!! فيما يعيد إلى الأذهان مرة أخرى حالة الالتباس التى سادت إعلان البرنامج الحزبى للإخوان، منذ ثلاث سنوات، الذى ظهر على أنه برنامج لحزب مدنى، فلما انتقده المراقبون تذرع الإخوان بمنطق الدين، فلما انتقده رجال الدين أنفسهم عاد الإخوان لمنطق المصلحة ورجحوا رأياً فقهياً - هو فى حقيقته مرجوح - على غيره من الآراء التى تحقق مصلحة الأمة ككل ووحدتها.

كما أنه ليس مطروحاً على بساط البحث أيضاً، تعليق المشاركة على قرار الغير (قرار حزب الوفد مثلاً) فمعيار الوفد وميزانه يختلف عن ميزان الإخوان، ومن ثمَّ فإن هذا التعليق أو الإرجاء هو بمثابة تأجيل للاستشكال وليس حلاً له.

ويطل فى النهاية، سؤال الدكتور نافعة وطلبه وبحثه عن التوافق على قرار بمقاطعة الانتخابات، فى ظل مخالفة الإخوان لهذا القرار واعتزامهم المشاركة فى الانتخابات المقبلة، يظل هذا السؤال بلا إجابة، إذ المشكل ليس فى الإجابة وإنما فى أصل السؤال، فحين تقوم الجمعية الوطنية للتغيير على أسس ومبادئ سبعة تنص كلها على ضرورة تغيير النصوص الدستورية والقانونية الحاكمة لعملية تداول السلطة برمتها، بدءاً بمنصب رئيس الجمهورية، وحتى أعضاء المجالس المحلية، مروراً بمجلسى الشعب والشورى، فإن مبدأ المشاركة فى أية انتخابات دون تغيير لتلك النصوص المعيبة، هو بمثابة انقلاب على مبادئ الجمعية، وإطاحة بها وبأعضائها وبكل الذين وقعوا على بيانها الذين اقتربوا من المليون، ومن ثمَّ فإن مجرد طرح السؤال نفسه هو خطأ منهجى كبير، لا يجوز مجاراته بأية إجابة على الإطلاق، هل يمكن مثلاً طرح سؤال للتوافق بشأن إجابته عن إمكانية إنشـاء حزب نازى فى أوروبا التى نصت كل دساتير دولها على حظر ذلك؟ إن أية إجابة على مثل هذه الأسئلة ستقع فى نفس خطأ السؤال، إن التوافق دائماً يكون على المواقف ولا يمكن أن يكون بحالٍ من الأحوال على المبادئ، المبادئ يتم الإيمان بها والتسليم بصحتها، أما المواقف فهى التى يتم التوافق حولها، والجمعية الوطنية لها مبادئ سبعة يؤمن بها مؤسسوها وجمهورها والموقعون على بيانها، ولا يجوز أبداً إعادة إجراء عملية توافق على تلك المبادئ لمحاولة الوصول إلى حل وسط يرضى البعض بدعوى الحفاظ على كيان الجمعية.

ولا يرد على ذلك، بما قاله الدكتور عصام العريان – رداً على الأستاذ جمال فهمى – من أن قرارات الجمعية الوطنية ليست لها قوة إلزامية، ومن ثم فإنه لا يستطيع أحد أن يلزم الإخوان بقرارٍ ما، والحقيقة أن التوفيق قد خان الدكتور العريان، إذ أن مفهوم القوة الإلزامية الصحيح أنها تنبع من الكيان أو الشخص ذاته، وفاءً لوعده وعهده وعقده، فهو مفهوم أخلاقى قبل أن يكون مفهوماً إدارياً بحتاً، يخضع لتشكيلات وتراتيب تنظيمية مسيطرة على ذهن الدكتور العريان، فالوفاء بالعهود والعقود هو أمر واجب شرعاً قبل أن يكون واجباً سياسةً وحركة.

وعلى ذلك، فإن كل المنضمين إلى الجمعية الوطنية للتغيير والموقعين على بيانها، هم ملتزمون التزاماً أخلاقياً ووطنياً وسياسياً، بل ودينياً، بعدم مباشرة أى نشاط انتخابى أو غير انتخابى من شأنه تقويض أركان المطالب السبعة المتمثلة فى تغيير منظومة التزوير التى نَحكم بها منذ زمن طويل، لو أراد أحد غير الإخوان التنصل أو التراجع عن مبادئ سبق وأن آمن بها وتعهد بالدعوة إليها، بزعم أن قرارات الجمعية غير ملزمة، لكنت قد تفهمت موقفه، لأن كثيراً من السياسين – للأسف – يؤمنون بأنه لا أخلاق فى السياسة، أما الإخوان فلا يليق بهم إلا الوفاء.

إلى هنا انتهى اجتماع الأمانة العامة للجمعية الوطنية للتغيير، بعد حوار وطنى مُجهِد، تكلم فيه أكثر من ثلاثين زميلاً كنت شخصياً أكثرهم استفادة.

وإلى لقاءٍ قادم إن شاء الله، يديره المنسق الجديد الدكتور عبد الجليل مصطفى، بحدةٍ أقل، وحيادٍ أكثر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة