لماذا نشعر بأننا مقبلون على عالم جديد من الفيروسات والأوبئة من حولنا على الرغم من كل التقدم العلمى الذى وصلنا إليه؟
- الفيروسات التى ظهرت فى الآونة الأخيرة، مثل أنفلونزا الخنازير، سارس، الإيدز، أو الإيبولا، ليست هى الوحيدة أو الأخيرة فى عالم الفيروسات الجديدة، ففى خلال الثلاثين عاماً الأخيرة تم اكتشاف ما يقرب من ١٥ فيروساً جديداً لم نكن نعلم أن لها أى علاقة بالإنسان، فقبل اكتشاف فيروس الإيدز اكتشف جاللو الأمريكى نوعين من الفيروسات HTLV- ١ ،HTLV- ٢، ويسببان فى بعض الحالات أنواعاً خطيرة من اللوكيميا أو سرطان الدم.
وكانت هذه الفيروسات قبل ذلك معروفة بأنها لا تصيب غير القردة والفئران ولا تصيب الإنسان، وظهرت أول حالة إيدز فى كاليفورنيا عام ١٩٨١، والآن هناك ٣٣.٢ مليون حامل للعدوى، وينتشر المرض بسرعة رهيبة، حتى أن هناك ثلاثة ملايين شخص فى العالم يلتقطون العدوى سنوياً، وعندما حاول الباحثون معرفة عمر فيروس الإيدز، وهل هو فيروس جديد أم أنه فيروس قديم وحدثت له طفرة جعلته يهاجم الإنسان بهذه الشراسة، وجدوا أن فيروس الإيدز كان متواجداً فى فترة ما بين ٢٠ و١٠٠ سنة قبل ظهور أول حالة فى الولايات المتحدة عام ١٩٨١.
وماذا عن فيروس الإيبولا، الذى كانت بداية ظهوره عام ١٩٧٦فى شمال زائير وجنوب السودان، ثم ظهر مرة أخرى عام ١٩٧٨، ومرة ثالثة منذ عدة سنوات فى زائير، وفيروس «ماربورج» وحمى «الللاسا» التى تسبب أعراضاً مشابهة للإيبولا، وماذا عن بعض الفيروسات والبكتيريا التى كانت تسبب العديد من الأوبئة فى الماضى، وكانت تحصد الملايين، ثم اختفت، وعادت إلى الظهور أخيراً بشكل وتكوين جينى جديد مثل الأنفلونزا، والسل، والطاعون، والحمى القلاعية، وحمى الوادى المتصدع التى تصيب الماشية والغنم وتنتقل من خلال البعوض إلى الإنسان أيضاً، والكثير من الفيروسات الأخرى؟
والحقيقة أن أسباب انتشار وظهور هذه النوعية من الفيروسات غير معروف بالتحديد، ولكن هناك عدة عوامل تساعد على ذلك:
أولها: التقدم العلمى المذهل فى وسائل التشخيص والتكنولوجيا، التى مكنت الإنسان من اكتشاف كائنات، كان يمكن ألا يراها بالوسائل العادية مثل الميكروسكوب الإلكترونى وغيره.
ثانياً: اختلاف نمط الحياة، والهجرة من الريف والغابات إلى الحضر والمدن، حاملين معهم الأمراض التى كانت متوطنة فى أماكن معينة، والزحام الرهيب فى هذه المدن، مما يسهل من انتشار أى عدوى، كما اختلفت العادات فيما يتعلق بزواج الأقارب فى القبائل، فقد كان المرض ينتقل من خلال الاتصال الجنسى فى نفس القبيلة ولايخرج خارجها.
ثالثاً: وصول الإنسان الأبيض إلى الصحراء الأفريقية فى القرن الماضى، بحثاً عن المناجم والثروات ومحاولة العيش بنفس أسلوبه فى بلاده سواء من حيث الأكل والشرب وممارسة الجنس، مما نقل إليه عدوى هذه الأماكن التى كانت بعيدة عنه ثم محاولاته قطع الغابات، وهروب ما يسكنها من كائنات وحيوانات إلى المدن والحضر، والاستعانة ببعض هذه الحيوانات فى التجارب البيولوجية والطبية، مما يسبب نقل أمراض هذه الحيوانات إلى الإنسان، وكأن هذه الفيروسات تقول للإنسان: إلزم موقعك وحدودك ولا تأتى لتغتصب أرضى وإلا فسوف أهجم عليك وأغتصب أرضك وأعيش فيها.
رابعاً: التغير الذى حدث فى الجو نتيجة ثقب الأوزون والأمطار الحامضية والإشعاع والتفجيرات النووية وغيرها من الملوثات، والتى جعلت بعض الحيوانات والحشرات الناقلة للعدوى تهجر موطنها فى الصحارى والغابات إلى المدن والقرى، التى يسكنها الإنسان.
خامساً: أحيانا تكون هناك بعض العادات الغريبة فى القرى والقبائل الأفريقية مثل أكل مخ الموتى، مما يسبب انتقال عدوى فيروس «كورو» إليهم، وهو مرض خطير تظهر أعراضه بعد سنوات من العدوى به، وكذلك جنون البقر، ويمكن أن ينقلوه لغيرهم.
سادساً: وسائل النقل الحديثة والتقدم الرهيب فى وسائل الاتصال جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة ينتقل فيها الإنسان بكل ما يحمله، ويمكن أن ينقله من أمراض بين أكثر من قارة فى نفس اليوم، كما يحدث الآن مع أنفلونزا الخنازير والطيور، كما أن التكنولوجيا مكنت العلماء أيضا من حفظ الدم ومشتقاته وتصديره إلى أماكن عديدة فى شتى أنحاء العالم بما يمكن أن يحتويه من أمراض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة