الناخبون الأمريكيون كانوا من الغلظة والقسوة، عندما قرروا معاقبة الرئيس الأمريكى اليافع باراك أوباما، وحزبه الديمقراطى، فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأخيرة، لاستيائهم وامتعاضهم من سياسات الإدارة الديمقراطية فى عهد أوباما الذى انتخبوه فى حدث مدو هز العالم، لأنه كان أول رئيس أسود للولايات المتحدة، بناء عليه جاء قرار عقابهم حاسما ورادعا بحرمانهم الحزب الديمقراطى من أغلبيته فى مجلس النواب التى انتقلت للحزب الجمهورى، واللافت أن أوباما، الذى تحمل بشجاعة مسئولية الهزيمة، لم يكابر ويختلق الأعذار والمبررات، لكنه أدلى بتصريح بالغ الدلالة والمغزى قال فيه حرفيا: وصلتنا الرسالة وعلينا الإصغاء للناخبين.
فرسالة الناخب الأمريكى كانت واضحة وضوح الشمس، فهو غير سعيد بأداء أومابا الرئاسى، وبما أنه سيد قرار فعلا لا قولا، ويمتلك ناصية الحرية الكاملة فى اختياراته لدى وقوفه أمام صناديق الاقتراع، فإنه قال كلمته الفصل، وأودعها أمانة غالية غير قابلة للتزييف والتزوير داخل الصندوق الانتخابى الشفاف، واسمحوا لى باقتباس فكرة الرسالة تلك بتوجيه تساؤل، حول الرسالة التى يعتزم الناخب المصرى إيصالها لأولى الأمر خلال انتخابات مجلس الشعب المقرر إجراؤها نهاية الشهر الجارى.
سوف تسود فترة صمت طويلة، بحثا عن فحوى رسالة الناخبين المصريين، بعدها ستصدمك حقائق مريرة تؤكد أن الناخب المصرى غائب تماما عن الصورة وبالمعنى الدارج فاصل شحن، ولا يدرى ولا يعرف ما يريده ويسعى لتحقيقه. نعم هو غاضب وحانق وممتعض ومخنوق من الحكومة وأفعالها، ومن الحزب الوطنى الديمقراطى ومن يمثله تحت قبة البرلمان وخارجه، وأن خيرته ستجده لا يثق فى الوفد، ولا يفضل التجمع، ويشك ويرتاب فى الحزب الوطنى ورجالاته، بقية الأحزاب الهامشية لا يعرفها، ولا يتبقى سوى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونيا التى ينظر إليها بصفتها أسوأ الموجودين، وقد يصوت لمرشحيها ليس حبا فيهم، وإنما من باب كيد وإغاظة ومضايقة الحكومة والحزب الوطنى، وإن قلت له عبر عن موقفك بالقيام بواجبك الانتخابى سيجيئك رده مباشرة فى شكل علامة استفهام عن أن النتيجة محسومة سلفا وأن ذهابه من عدمه لن يكون له فائدة، فالسلبية تملكت من أوتار وأعصاب معظم المسجلين فى القوائم الانتخابية، وأفقدتهم ليس رغبة الحركة، بل أيضا تحديد ما يسعى إليه ويوده، أما من يبيعون أصواتهم فإنهم من القلة المشوشة المضغوط عليها اقتصاديا ولا يعتد بهم ولا يعبرون عن الناخب الحقيقى، ولا يجوز الانخداع بتكدس كثيرين منهم أمام بعض اللجان الانتخابية.
وألتمس العذر للناخب المصرى فى حالته تلك، لأنه بلغ المنتهى فى إحساسه بالسأم من الخداع السياسى الذى يتعرض له منذ عقود، فالأحزاب تتحدث ليل نهار عن الرفاهية والديمقراطية وزيادة الدخل وتوفير فرص العمل بالملايين والمحصلة صفرا، فكلها أوهام تباع وتشترى، نظرا لاهتمام الشخصيات الحزبية بالشو والظهور الاعلامى بدون نية صادقة فى تنفيذ الوعود لاعتقادهم بان التحول الديمقراطى سيضربهم ومصالحهم فى مقتل وسيكونوا أول ضحاياه. ويدهشك أن المرشحين الطامعين فى مقعد البرلمان ليس لديهم رؤية مستقبلية ولا سياسية فحديثهم منصب على الطماطم وأسعارها وتوفير اللحوم، فالمأكل والمشرب هو الأجندة الظاهرة لهم، ومن الصعب أن تضبط احدهم بتكلم عن موقفه من التعددية الحزبية والليبرالية، وسن القوانين، وحرية تشكيل الأحزاب، والحق فى التظاهر السلمى وغيرها من القضايا المصيرية التى يتوقف عليها مستقبل بلد بحجم وتاريخ مصر. لا أجادل فى أن الشق الخدمى مهم، لكنه ليس كل شئ، وإلا أين ستكون الممارسة السياسية إن كنا لا نتابع سوى حوارات عن الطعام والمتطلبات الأساسية.
وما يزيدك حزنا وكمدا، أن العديد من النواب يحتكرون مقاعدهم لحقب متتالية ويعز عليهم التنازل عنها، رغم أن ظروف بعضهم الصحية لا تسمح لهم بممارسة دورهم البرلمانى بالكفاءة المطلوبة والمنتظرة. ألا يحق لنا أن نتساءل عن المواصفات الصحية للمرشحين ومدى قدرتهم على الاضطلاع بواجباتهم فى البرلمان وخارجه قبل أن يغرقونا بتصريحاتهم المعسولة عن أنهم فى أفضل حال مع أن التقارير الطبية تقول العكس، إن مصر لا يلزمها فى السنوات المقبلة أشخاص لا يكترثون إلا بمنافعهم الشخصية ويظنون أن الحصانة البرلمانية ستزودهم بغطاء يزيد من ثرواتهم المتراكمة فى بنوك سويسرا وأمريكا، بل تحتاج لسياسيين من الوزن الثقيل الذين تمتلئ عقولهم وأفئدتهم برؤية سياسية ثاقبة وليس خدمية، بعدها يصبح باستطاعتنا البحث عن الرسالة المتوقعة للناخب المصرى، فإلى ذلك الحين...
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة