انفض سامر الانتخابات النيابية فى البحرين، والتى تمت على مرحلتين، بين الثالث والعشرين والثلاثين من أكتوبر 2010، لاختيار 40 عضوا جديداً لمجلس النواب، فى ثالث انتخابات نيابية تشهدها البحرين بعد التحولات الدستورية التى شهدتها عام 2001، وبعد إعلان نتائج الجولة الأولى تمت استضافتى فى "قناة دريم" لتحليل نتائج هذه الانتخابات وتداعياتها. وقد آثرت عدم الكتابة فى الموضوع إلى ما بعد جولة الإعادة، ويتم إعلان النتائج النهائية، حتى تكتمل أركان الصورة. والآن وبعد إعلان هذه النتائج والتى جاءت على النحو التالى:
(18) نائبا من جمعية "الوفاق،" الشيعية المعارضة، و(16) مقعدا للمستقلين، وثلاثة لجمعية الأصالة وثلاثة للمنبر الإسلامى. وأمام هذه النتائج يمكن رصد عدة ملاحظات على قدر كبير من الأهمية، وذلك على النحو التالى:
أولاً: من حيث النتائج: تأتى النتائج منطقية فى ظل الأغلبية الشيعية فى المجتمع البحرينى، ولكن المفاجأ أن جمعية الوفاق لم ترشح سوى 18 شخصا فقط، فازوا جميعاً، هذا مع التراجع الحاد فى مقاعد تيارات الإخوان والسلفيين من 15 مقعدا فى انتخابات 2006، إلى 6 مقاعد فقط فى انتخابات 2010، وأيا كانت النتائج، فنحن مع احترام ما انتهت إليه، واحترام حق الأغلبية فى التعبير عن مصالحها، شريطة ألا يتعارض ذلك مع حقوق الأقلية، أياً كان توصيفها، إسلامية أو ليبرالية أو شيعية، وشريطة ألا يهدد تعارض مصالح الجماعات والتيارات أمن واستقرار البحرين، وسيادتها الوطنية.
ثانياً: من حيث الأهمية: رغم الاهتمام المكثف فى الشارعين البحرينى والخليجى بهذه الانتخابات، إلا أن هذه الأهمية تتراجع إذا علمنا أن مجلس النواب ليس لها صلاحيات مؤثرة فى عملية صنع القرار السياسى فى البحرين، أو حتى فى إقرار القوانين والتشريعات، فالأهمية الكبرى يتمتع بها مجلس الشورى الذى يتكون من أربعين عضواً جميعهم بالتعيين من ملك البلاد، وإذا كان البعض يمكن أن يقول إن هذا يندرج على كل المجالس سواء الشورى أو النواب أو غيرها من مسميات فى المنطقة العربية، فمعه كل الحق، إلا أن الأمر الذى يثير الدهشة هو انعكاس الآية فى التجربة البحرينية، فالمعين هو صاحب القرار، والمنتخب استشارى، وفى أية تجربة انتخابية، تسعى لأن تكون محترمة، يفترض أن يعبر نواب الشعب عن رأى الشعب، ويضعون التشريعات التى تحكم حاضره ومستقبله.
ثالثاً: من حيث مستقبل التجربة، وإلى أى مدى يمكن أن تؤثر فى تحقيق انتقال ديمقراطى حقيقى فى البحرين أو فى الدول المجاورة لها، هنا أعتقد أن هذا المستقبل رهن بعدة عوامل أساسية، يجب تحليل أبعادها ودراسة تأثيراتها، ليس فقط على مستقبل التجربة الديمقراطية فى البحرين، ولكن أيضاً على مستقبل البحرين وأمنه واستقراره، أول هذه العوامل، قدرة البحرين على التغلب على تأثيرات الانقسام الدينى المذهبى الذى يمكن أن يمزق البلد، بين السنة والشيعة، وخاصة فى وجود اعتقاد متنام ومتأصل لدى الشيعة (الذين تتراوح نسبتهم بين 65 و75% من عدد السكان) بالاضطهاد والنبذ، وعدم التمييز فى الحقوق والحريات مقارنة بالسنة التى تنتمى إليها الأسرة الحاكمة فى البلاد.
ومن ناحية ثانية، تأتى قضية التجنيس، حيث اتجهت الحكومة فى البحرين إلى تجنيس الآلاف من العرب والأجانب، بدعوى الاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم، إلا أن التوسع فى التجنيس من شأنه أن يهدد الهوية الوطنية، كما يهدد الأمن والاستقرار الوطنى، وخاصة فى ظل نظرة الشيعة إلى أن هذا التجنيس يتم على حسابهم، وبهدف تقليل نسبتهم فى المجتمع البحرينى.
ومن ناحية ثالثة، يرتبط مستقبل التجربة بقدرة الشارع البحرينى على ضبط الفوضى السياسية التى يعانى منها ممثلة فى عشرات الجمعيات والتيارات السياسية المتصارعة، والمتعارضة، بما يقلل من قدراتها جميعاً وفاعليتها السياسية، فليس منطقياً أن يكون هناك أكثر من 30 جمعية معلنة تعمل وسط شعب تعداده نحو مليون نسمة أكثر من نصفهم غير بحرينى.
ومن ناحية رابعة، يأتى دور القيادة السياسية، فقد اعتدنا فى منطقتنا العربية، على أن أصحاب المعالى والسمو والقادة، هم أصحاب مبادرات التغيير، وعلى الجميع السمع والطاعة، بل والتهليل، وإذا كان ملك البحرين قد حقق العديد من القفزات خلال العشر سنوات الأخيرة، فإن له دور رئيس فى حماية البحرين من تحديات الفتنة المذهبية والعرقية، من خلال توسيع درجة الحريات، والحد من الاعتقالات العشوائية، ومنح مجلس النواب الصلاحيات المتعارف عليها، شريطة أن تكون حقيقية وفعلية، وليست ديكورية وإعلامية فقط.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة