تفتحت عيناى على الانتخابات النيابية فى مصر عام 1976، حينما كان ممدوح سالم وزيرا للداخلية قبل أن يترأس الحكومة فيما بعد، وأزعم أنى عشت بعده سبع انتخابات برلمانية لم أشهد انتخابات تتسم بقدر كبير من الشفافية والنزاهة كما حدث فى تلك الانتخابات التى أرادها الرئيس الراحل أنور السادات بداية لعصر جديد يتسم بالديمقراطية والتعددية والنزاهة.
وقد اتبع السادات هذه الانتخابات بقرارات مهمة حينما أعلن عن السماح بثلاثة منابر سياسية فى أول تعددية بعد الثورة، هى الوسط واليمن واليسار، ثم تحولت المنابر إلى أحزاب، لكن نفس الرئيس المؤمن بالديمقراطية لم يتحمل المعارضة الشديدة، واتخذ قرارا بحل هذا البرلمان بعد ثلاث سنوات لأن 19 نائبا تجرأوا وعارضوا معاهدة السلام مع إسرائيل.
وبعكس انتخابات 1976 جاءت انمتخابات 1979 بعيدة كل البعد عن النزاهة، إذ استهدفت إسقاط معارضى معاهدة السلام مع إسرائيل، ففشلوا جميعا فى دخول البرلمان أو أسقطوا باستثناء نائبين فقط، من بينهم المرحوم المستشار ممتاز نصار الذى خاض معركة انتخابية قوية فى البدارى بأسيوط مستندا إلى عائلة كبيرة جدا، لم تستطع الحكومة اختراقها أو تزوير الانتخابات خشية حدوث معارك دموية بين الشرطة والمواطنين هناك.
وأزعم أنه منذ هذا التاريخ بدأت الانتخابات البرلمانية فى مصر تعرف شتى أنواع المخالفات، منها التدخل الحكومى، وظاهرة تسويد بطاقات الاقتراع عن طريق معظم المرشحين والأحزاب دون استثناء، ومنها العنف الدامى الذى لم يتوقف فى أى انتخابات تالية، ومنا ظاهرة شراء الأصوات التى جعلت العديد من المقاعد النيابية حكرا على الأغنياء ورجال الأعمال ومن يستطيعون شراء أصوات الناخبين ودفع عشرات الملايين من الجنيهات.
ومنذ عام 1984 شهدت الانتخابات عودة جماعة الإخوان الملسمين للمشاركة فيها لأول مرة بعد الثورة، صحيح انهم خاضوا هذه الانتخابات متحالفين مع الوفد ووفقا لشروطه ودون رفع شعارات دينية، لكنهم فى الانتخابات التالية تحالفوا مع حزب العمل، وبدأ شعار الإسلام هو الحل الذى يثر جدلا كبيرا منذ هذا التاريخ.
وإذا كانت الانتخابات النيابية فى مصر لا تتسم فى المجمل بالمعايير الدولية اللازمة والمفترضة لانتخابات حرة ونزيهة، فإنها فى نفس الوقت أصبحت نموذجا صارخا للخلط بين الدين والسياسة، فلم يعد ما لقيصر لقيصر .. وما لله لله.
مصر تحتاج انتخابات حرة نزيهة تعبر عن الإرادة الحقيقية للناخبين، لكنها فى نفس الوقت فى حاجة، إلى ان تكتفى الجماعات الدينية بالدعوة، وتترك العمل السياسى لأهله.. ودون هذا وذاك ستظل أى انتخابات فى مصر غير حقيقية ما لم توجد قوانين حاسمة رادعة تمنع التزوير والعنف الانتخابى، والإنفاق غير المبرر وشراء أصوات الناخبين.. بنفس القدر الذى تعاقب فيه من يرفعون الشعارات الدينية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة