"إنه الاقتصاد يا غبى" كان هذا هو الشعار الذى رفعه بيل كلينتون مرشح الحزب الديمقراطى فى مواجهة منافسه الجمهورى الرئيس بوش الأب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1992. فقد دخل بوش الانتخابات مزهوا بانتصاره فى الحرب الباردة وحرب الخليج، لكن ذلك لم يشفع له فى مواجهة انتقادات منافسه الشاب لوضع الاقتصاد الأمريكى المتدهور آنذاك وهو ما ساعد على أن يفوز كلينتون ويستقر فى البيت الأبيض لمدة 8 أعوام.
ويبدو أن الوضع لم يتغير بعد مرور ما يقرب من 20 عاما. فقد أظهرت انتخابات التجديد النصفى الأخيرة أن الاقتصاد هو العنصر الأساسى فى أى انتخابات أمريكية، وأن الناخب الأمريكى يعنيه فى المقام الأول أوضاع بلاده الاقتصادية. فعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما نجح فى أن يغير بعض الشىء من الصورة السلبية للولايات المتحدة فى العالم التى تأثرت بشدة نتيجة سياسات سلفه الرئيس جورج بوش الأبن إلا أن نتيجة الانتخابات لم تكن فى صالح الرئيس وحزبه الديمقراطى الذى فقد الأغلبية فى مجلس النواب بينما تمكن بشق الأنفس من الحفاظ على أغلبية ضئيلة فى مجلس النواب.
بدا الأمر كما لو أن الحزب الديمقراطى استوعب الدرس جيدا فلم يسهب فى الحديث عن إنجازاته على الساحة الخارجية بل كان يعتمد فى المعركة الانتخابية على رصيده من القوانين التى مررها الرئيس والكونجرس مثل قانون الرعاية الصحية الذى منح التأمين الصحى إلى يقرب من 30 مليون أمريكى كانوا محرومين من الرعاية الصحية.
كذلك تمكن الرئيس وإدارته من تقديم حزمة من المعونات الاقتصادية الاقتصادية إلى المصارف والعديد من الشركات بلغت قيمتها 787 مليار دولار لضخ الدماء فى الاقتصاد الأمريكى الذى كان يعانى من الكساد الذى ورثه أوباما أيضا عن سلفه بوش.
وقد لاقت تلك التشريعات معارضة شديدة من الحزب الجمهورى. ويبدو أن الاعتراض لم يكن من الجمهوريين فقط، حيث أظهرت استطلاعات الرأى أن العديد من الأمريكيين الذين لا يرتبطون بحزب محدد عند التصويت لم بتقبلوا سياسات إدارة اوباما والتى كانت مفرطة فى ليبراليتها.
والليبرالية فى القاموس السياسى الأمريكى تبدو مختلفة بعض الشىء عما هو متداول فى الأدبيات السياسية العالمية، حيث ترتبط فى أمريكا بزيادة تدخل الدولة فى الشئون الاقتصادية والإدارية ما يجعلها أقرب إلى اليسار.
وهكذا فإن قوانين الرعاية الصحية وحزمة الإصلاحات بدت فى أعين الكثير من الأمريكيين تمثل تدخلا للدولة مبالغ فيه ويعارض ثقافة الحرية الاقتصادية الأمريكية، وقد ركز الجمهوريون هجومهم على النزعة الليبرالية المفرطة لأوباما وإدارته مرددين مقولة الرئيس السابق رونالد ريجان بأن خير حكومة فيدرالية هى تلك التى لا تحكم بمعنى أنه من الأفضل إطلاق الحرية للولايات كل على حدة لتحدد خياراتها عوضا عن الخضوع لسلطة مركزية.
وبالفعل أظهرت الانتخابات أن الكثير من الأمريكيين يرفضون سياسات أوباما الاقتصادية خاصة أنها لم تسهم فى تعافى الاقتصاد الأمريكى بل إن معدلات البطالة وصلت إلى أرقام قياسية لتتجاوز الـ9%. كذلك فإن سياسة الإقراض الحكومية بدت للبعض أنها تبديد لأموال دافعى الضرائب.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الضرائب المختلفة هى ذات النسبة الأكبر فى مصادر دخل الحكومة الفيدرالية أو حكومات الولايات.
وقد تزامن هجوم الجمهوريين ذلك مع بزوغ نجم "حركة حفلة الشاى" المحافظة التى بدأت فى عام 2009 للاعتراض على الزيادة فى الضرائب التى فرضتها إدارة اوباما ثم اتخذت موقفا يمينيا محافظا حيال أغلب القضايا الاقتصادية واصطفت مع الحزب الجمهورى فى الهجوم على الديمقراطيين.
وجاءت الانتخابات لتؤكد تراجع شعبية أوباما وحزبه حيث فقد الديمقراطيون الأغلبية فى مجلس النواب الذين كانوا يحتفظون فيه بـ257 مقعدا مقابل 178 للجمهوريين ليتراجع تمثيلهم إلى188 مقعدا بينما زاد عدد مقاعد الجمهوريين إلى 239. وعلى الرغم من خسارة الديمقراطيين لستة مقاعد فى مجلس الشيوخ إلا أنهم تمكنوا من الحفاظ على الأغلبية فيه بـ53 مقعدا مقابل 46 للجمهوريين. أما على مستوى حكام الولايات فقد تربع الجمهوريون على قمة 29 ولاية مقابل 16 للديمقراطيين.
لكن ماذا عن المستقبل؟ كيف سُتدار البلاد فى العامين المقبلين؟ شهد التاريخ السياسى الأمريكى العديد من الحالات التى يحكم فيها أحد الحزبين فى الكونجرس أو أحد مجلسيه بينما ينتمى ساكن البيت الأبيض إلى المعسكر الآخر. فهكذا كان الوضع فى السنوات الأخيرة لجورج بوش الابن ومعظم فترة حكم بيل كلينتون.
ويتطلب هذا الوضع تفاهم بين الحزبين لتمرير القوانين حيث إن نظام الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية يشدد على أن لا تنفرد أحد السلطات – سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية – بالحكم دون رقابة من باقى السلطات. فلكى يتم تشريع قانون لابد من موافقة مجلسى النواب والشيوخ ثم عرضه على الرئيس للموافقة عليه. وفى حال ما استخدم الرئيس حق الفيتو فى رفضه يعود مشروع القانون إلى الكونجرس لإجراء أى تعديل عليه أو أن يحصل على موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ ليتم تمريره دون موافقة الرئيس وهو الأمر الذى حدث مرتين فى عهد الرئيس السابق بوش. لكن من غير المحتمل أن ينفرد الكونجرس الجديد بتمرير أى قوانين دون موافقة أوباما لأن الحزب الجمهورى لا يحظى بأغلبية الثلثين سواء فى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ.
وترجمة هذا على أرض الواقع أن العامين المقبلين لن يشهدها تمرير أى قوانين مثيرة للجدل أو مثار خلاف بين الحزبين. المعركة الحقيقية ستكون فى مناقشة ميزانية العام المقبل حيث لا بد من موافقة الكونجرس على مشروع الميزانية الذى يعرضه الر ئيس وفى حالة ما يحدث خلاف يحاول الطرفين الوصول إلى تسوية.
لكن لو فشل الحزبان فى الوصول إلى تسوية فإن الحزب الجمهورى سيقدم على تكرار ما فعله عام 1995 عندما تعارضت رؤية الرئيس الديمقراطى بيل كلينتون للموازنة مع آراء زعيم الأغلبية الجمهورية فى الكونجرس نيوت جينجرتش قام على إثره الأخير بتعليق عمل الحكومة لمدة شهر كامل وهو ما يعنى أن تمتنع الحكومة عن دفع رواتب الموظفين الذين لا يشغلون مناصب حيوية.
ويؤكد الجمهوريون على أنهم لن يسعون إلى تعليق عمل الحكومة لكن الوعود فى واشنطن ليست دائما بالمقدسة.
أما عن السياسة الخارجية فإنها ليست الميدان الذى يمكن أن يثير أى خلافات جوهرية بين الرئيس والحزب الجمهورى والدستور الأمريكى يعطى الرئيس الحق فى إعلان الحرب لكنه يتطلب موافقة الكونجرس.
ومنذ إنشاء الولايات المتحدة فى أواخر القرن الثامن عشر وحتى الآن لم يعارض الكونجرس أى قرار إعلان حرب، وهكذا فإن النزاعات المسلحة لن تكون محل خلاف بين الحزبين، كذلك فإن المهام الدبلوماسية للرئيس لن تثير الكثير من الجدل، ويبدو أن الرئيس أوباما سيستغل العامين المقبلين لتحقيق بعض المكاسب على الساحة الخارجية فى انتظار انتخابات 2012.
هزيمة أوباما فى الكونجرس تهدد بسيطرة الجمهوريين على الميزانية
السبت، 06 نوفمبر 2010 10:52 م
الرئيس الأمريكى أوباما
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة