سادت فى الآونة الأخيرة ثقافة غريبة على مصر، وهى ثقافة الفقر، فأصبحنا نسمع عن أفقر 1000 قرية، والقرية الأفقر وهى ثقافة لم نكن نسمع عنها، فالريف المصرى كان يمد الحضر باحتياجاته الغذائية، وما يفيض يتم تصديره ونسمع عن أعياد حصاد القطن الذى كان يتم فيه زواج أبناء الفلاحين، كذلك الأعياد الأخرى، مثل عيد حصاد القمح الذى كان يسمى الغلة، وكان كل بيت يحتجز لنفسه غلة العام بعد أن يبيع المحصول، وهناك أعياد أخرى غنى لها الفلاح، مثل العدس وغيرها من المحاصيل التى كانت تغنى الفلاح وتجعل بيته منتجاً ومصدراً، وفى الأربعينات كانت صادرات مصر من البيض 40 مليون بيضة من فائض إنتاج بيوت الفلاحين، فماذا فعلنا بالريف المصرى وأى عبقرية حولت قراه إلى قرى فقيرة.
أما المصيبة الكبرى، فهى ما يدعيه البعض من فقر مائى، وأذكر هنا كيف بكى "مناحم بيجن" عندما أخذه السادات فى جولة فى بحيرة السد، وكان السادات يمنيه بأن ينقل بعض هذه المياه إلى إسرائيل، وطبعاً نتيجة ما ادعوه من فقر مائى، فلا توسع زراعى ولا زراعة للأرز ولا القمح، واسأل وزير الرى ما أخبار فيضان هذا العام الذى أعلن عنه أحد قيادات وزارة الرى بأنه أكبر فيضان عرفته مصر منذ عام 1946، وأين ذهبت مياهه؟
أما الثقافة الأخرى، وهى ثقافة المرض فهى تلك الحملات لجمع التبرعات للمرضى الذين ضاقت بهم المستشفيات، وأتساءل أليست هذه الأعداد نتيجة التلوث؟ وأين دور وزارة البيئة التى رصدت 2000 مصدر تلوث على مياة النيل؟ وماذا فعلت الحكومة فى 5 مصارف تصب يومياً ملايين الأمتار المكعبة من الصرف الصحى والصناعى على البحيرات الشمالية التى كانت أخصب بحيرات العالم، والتى كانت تأتيها أفخم أنواع الأسماك من جميع أنحاء العالم لتبيض بها، ولنسأل أهالى المنزلة الذين يتحسرون على هذة الأيام، والذين حولناهم إلى فقراء، ولماذا لم توجه هذه المصارف إلى الصحراء لزراعة الجتروفا وغيرها.
أما ثقافة الجهل فهى تتلخص فى زيادة معدلاته، بدلاً من أن تقل، علماً بأن بلاد عربية قضت عليه فى سنوات معدودة واستأصلت شافته.
