يُحكى أن بائعاً للسمك قد توفى ابنه الوحيد.. فمشى فى مقدمة الجنازة يصرخ ويندب "كان صااااااااااحى وبيللللعب".. ربما يرى البعض أنها مجرد نكتة مرحة تثير الضحك.. وربما يرى البعض أنها استخفاف بآلام الناس وأحزانهم..!
لكن شبح بائع السمك ما زال يطاردنى.. فى عملى.. فى أوراق الصحف.. على شاشة التلفاز.. ربما لأنى بحثت وراء صرخات وهتاف الرجل الحزين، فوجدت أننا كلنا ذلك الرجل.. كلنا "بائع السمك"!.. رغم وقع المصيبة عليه إلا أن عقله تغشاه سحابات من همومه اليومية.. من حياته اليومية.. من كدحه وعمله.. ربما صرخ هذا الرجل.. ربما انتحب.. لكن لأنه يعيش المصيبة كجسد فقط.. كصوت فقط، لكن ضميره فى غالبه منشغل بما تعود عليه من الهموم اليومية.. هم العمل.. منشغل بأسماكه وقطع الثلج ورائحة البحر التى تفوح من بين الزعانف المجمدة..!
لكنه فى النهاية سوف يمضى كما كان على قضبان الحياة القاسى مثلما يمضى قطار البضائع المحمل بالهموم، نحن نتعامل مع كل مصائبنا العربية على طريقة "بائع السمك"!...نعيش الحدث بأجسادنا.. بأصواتنا.. نهتف ونخرج فى مظاهرات يوم اغتالوا الشيخ أحمد ياسين.. نصرخ ونتظاهر يوم دنسوا أرض بغداد الرشيد.. نصرخ ونهتف يوم مات عرفات.. نصرخ ونهتف يوم ابتلع جوف البحر 1000 شهيد مصرى.. نهتف ونصرخ والقذائف القذرة تقصف جثث الأطفال فى غزة ورفح.. نهتف ونصرخ ونشجب ونهدد كلما تعرض الرسول (صلى الله عليه وسلم) لسب وقذف من أذلاء تعززوا علينا بحضارة الأسمنت!.. ثم تخفت الحناجر.. وتتعانق المصالح من جديد، لكننا فى كل الأحوال نعيش الحدث بأجسادنا وحناجرنا بينما ضمير كل منا منشغل فى داخله بحياته هو..وهو فقط.. ضمير متجمد متجلد بليد، وهذا أهم وأول الأسباب فى أننا تحولنا إلى ظاهرة صوتية.. جعجعة بلا طحين.
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة