مع كامل الاحترام للشعب الأمريكى، إلا أن أكبر مستفيد من ضرب البرجين فى 11 سبتمبر 2011، كانت الإدارة الأمريكية بالبيت الأبيض، بتوجه محافظيها الجُدد وقتها. فإننى لا أرى أى عداء تجاه المواطن الأمريكى، لأننى عايشته، وأعرف كم هو مواطن وديع، كأى مواطن فى العالم أجمع. إنه يريد الحياة فى سلام، له ولأولاده، ولا يعنيه أى شىء آخر، بل لا يهتم بالسياسة فى بلاده أو فى غيرها، ولكن يهمه أن يُسهل ملء جيبه بالمال، من خلال عمله، وبتقليل الضرائب عليه. أى أنه مثل أى مواطن آخر فى العالم قاطبة. وحينما تُوجه ضربة من الخارج إليه، يقف ملتحماً مع نظامه السياسى، رغم أنه يظل بعيداً عن السياسة متعاملاً معها فى إطار خطابها الحماسى، وليس تفاصيله. وحينما يكتشف أن هذا كان استغلالا له، ينقلب على نظامه، لينتخب رئيس جديد، يبعده عن هذا الاستغلال، ويمنحه وعوداً اقتصادية أهم له! إنه مواطن لا يأبه بالسياسة الخارجية، إلا فيما يمس حياته وكرامته، ولا يهمه أن أؤمن أنا بالإسلام أم لا! ولكن يهمه بالطبع، ألا تُمس حياته وأسلوبها!
أسامة بن لادن، صنيعة أمريكية. لقد كان على علاقة جيدة للغاية مع الولايات المتحدة الأمريكية، كونه كان أحد المحاربين البارزين الذين قادوا فيالق مسلمة ضد السوفيت فى أفغانستان فى الماضى. كان الأمريكيون الرسميون، يدعموه بقوة. واليوم يصور لنا الأمريكيون أنهم تخلوا عن صداقته، وأنه عدوهم، رغم أن كل الشواهد، تؤكد أن تلك خديعة واضحة! فمع 550 مليار دولار، ميزانية لوزارة الدفاع الأمريكية، تشمل أُسس تتكون اليوم من الجيل الجديد من "الأسلحة الذكية"، الكاشفة للخصم فى تحركاته الليلية، والمخترقة الأجسام الصلبة فى رؤيتها له، يُصبح الحديث عن عدم قدرة الولايات المتحدة، إلقاء القبض على قيادة تنظيم القاعدة، جزء من فيلم خيالى، لا يُمكن تصديقه، مع كل القصص المروجة من أمريكا بالأساس، لقوة القاعدة! لقد سبق وأن وروجوا لنفس القصص فى عمليات استهداف العراق، 1991 و2003، ولكن نالوا منها، وهى الدولة، فما بال الناس بجماعة تحيا فى كهوف بدائية فى صحارى أفغانستان الوليدة بعد ضربها أيضاً؟!
إن القاعدة، على عكس ما تدعى، هى شوكة فى ظهورنا، وليست مدافعة عنا، لأن الله هو المدافع عن عباده، إن كُنا مؤمنين بكلامه! فانه من المستغرب، وبينما يجرى التقاتل فى العراق، والناس هناك تعانى الفوضى العنيفة، وعدم القدرة على التعاطى مع الرأى الآخر، فيما بين "مسلمين" ككل، أن يترك الإرهابيون، كل ما هنالك من أفعال، ليهتموا بما يجرى فى مصر! إنه كلام لا ينطلى على مراهق! لقد بدأت شعبية أوباما فى التراجع، لنُفاجأ بعبوات ناسفة فى المنطقة العربية، لتعود ملامح "الحرب على الإرهاب" فى الالتقاء مرة أخرى، ولتعود صورة القائد العسكرى للرئيس الأمريكى مرة أخرى. وفجأة أيضاً وخلال نفس الأسبوع، تهدد القاعدة مصر، فيربط المرء، ليجد احتمالية كبيرة للعلاقة بين الحدثين!!
الفوضى الخلاقة، لم يكن المُصطلح الذى أطلقه أى شخص دولى، غير الولايات المتحدة، فى الفترة الفاعلة مما يُسمى "بالحرب على الإرهاب"، المستمرة!! ومصر اليوم، تصل إلى منعطف مهم فى تاريخها الحديث، الذى من الممكن أن يُقيم فرقاً واضحاً فى شكلها وفعلها مُستقبلاً، أو العكس. اليوم، سيتذرع أعداء مصر بكل الذرائع، لخلق الفتن على أرض مصر، من أجل خلق الفوضى، لضرب أى محاولة مصرية للنهوض، وإعادة البناء، والتوفيق بين المصريين. وخلق ذريعة، لإعادة "الفتنة الطائفية" إلى الأجواء، لهى إحدى أحقر الذرائع المُمكنة! إنها فكرة التفريق بين المصريين، لإثارة النعرات، ضد مشاريع الإصلاح المجتمعية بالأساس، وليس النظامية، لأن هناك من يرى دوماً، أن اتحاد مواطنى أى دولة، ما هو إلا خطراً عليه هو! وهذا بالطبع، لا يمُت بصلة للإسلام، لأنه لا يحُض على الدمار ولكن على إعمار الأرض وبناءها، ونداءات الله العامة فى القرآن، للناس والأنفس، وليس للمؤمنين من مسلمين فقط!
إن تهديد مسيحى مصر، فى شأن هو محل "لبس"، بين البعض، ومحل "تأكد"، للبعض الآخر، إنما يدل بشكل حاد، على أن القاعدة، لا تعمل وفقاً حتى لمبادئها، ولكن وفقاً لخدمة طرف آخر!! إنه شخص دولي، فى الأغلب دولة، تريد لمصر الفوضى ولا يهمه إن كانت عملية إرهابية تتم وفقاً لرد على يقين أو ظن! إنه لا يستهدف فى النهاية، مسيحى مصر ولكنه يتخذهم ذريعته، فى ضرب مصر فى حد ذاتها، كى يظهر للعوام وكأنه يُدافع عن العقيدة، رغم أنه من المعروف أن المتلاعبين بدين الله، إنما يُفسرون كلامه عز وجل، بما يخدم مصالحهم الفئوية، ولا يخدم ديناً أو عباداً، ولا يهمهم فى المقام الأول إعماراً وإنما دماراً، لاغين عقولهم، ومانحين فى النهاية الفرصة تلو الفرصة، لخصوم أكثر، للاعتداء على مصر أو الإملاء عليها فى ظل إضعافها!
إننى لا أرى لبس فى أن مُهددى مصر، ما هم إلا مُرتزقة جهلة، لا يهمهم الإسلام من قريب أو بعيد، ويستهدفون العباد، لمصالح حصلوا عليها، أو يلعبون لصالحها من البداية.
لذا فأنه علينا اليوم واجب مستمر كمصريين، يجب وأن نعمل من أجله باصرار وعزيمة: إن أهم قوة تمتلكها أية دولة اليوم، هى قوة التحام وانسجام شعبها، وعمله ونقاشه، من أجل المصالح التنموية لتلك الدولة. وها هى المؤامرات المُحاكة، ممن يقبضون فى الظلام من المحافظين الجدد أو أزلامهم، يستهدفون وحدتنا، مُدركين من جهتهم، كم ثمنها لديهم!! فكيف بنا أن نقضى على بلادنا باستمرار بانزلاقنا فى مسائل الفُرقة، وترك البناء فيما يخص مستقبل أطفالنا وتوحدهم فى وجه أعداء المستقبل من المرتزقة، المُتعلقين بدين "مُختلق" اليوم وليس الإسلام؟! والتفرقة بين المواطنين، على أساس الدين والتعريف به، لن يخدم إلا قوى الخارج كما هو ظاهر من تهديد هؤلاء المرتزقة ولم يكُن أجداددنا من قرن، ممن لم ينزلقوا إلى تلك الأفكار المدمرة التى دفع بها المستعمر البريطانى وقتها، لتنطلى عليهم تلك الأقاويل، رغم أنهم كانوا أيضاً مؤمنين!
إن فتح حوار جوهرى، بعيداً عن الأديان، هو أهم طريق يجب وأن نسلكه كمصريين اليوم، من أجل بناء مصر الحديثة. وليظل الدين فى قلوب العباد وصلواتهم، محفوظاً بدعم من المؤسسات الدينية الرسمية، المُعاد صياغة أعمالها الدينية الطاهرة المُستقلة عن الانزلاق فى تُرهات الفتن والسياسة المخادعة، كما كانت فى الماضى، وليس بشكل مُستجد!! لدينا كمواطنين، مواضيع لا تنتهى للنقاش حولها، فى مسائل التنمية، سواء من زاويتها السياسية أو الإقتصادية أو المجتمعية أو الخدمية أوغيرها، مما يجب وأن نُحدد مواقفنا حوله، فى إطار حوار محترم، يقبل الرأى والرأى الآخر، ويفند أسانيده. لدينا مستقبل واحد لأولادنا جميعاً فى هذا البلد، ولقد خلقنا الله جميعاً وهو أعلم بنوايانا ونفوسنا. إلا أن بناء الوطن هو أهم اليوم من كل شئ، من أجل كل ما نؤمن به!
فلندع كل من القاعدة والمحافظين الجدد، لتعاملات الأمن والسياسيين معها، لأنها مواضيع فرعية فى كفاحنا كمواطنين، على الأرض، من أجل إعمار هذا الوطن، الذى نحيا كلنا فيه، بعيداً عن من يتقاتلون على أسس دينية ليجعلوا بلادهم حلبة دولية للمرتزقة وهم منهم، بعيداً عن صالح الأديان! ولنكن إخوان مصريين متكاتفين للدفاع عن خير مصر كلها وكل مواطنيها، دائماً وأبداً!
حفظ الله مصر وكل المصريين
ومصر أولاً
* أستاذ علوم سياسية.