سأفترض أن عيد الحب مناسبة حقيقية دولية ومحلية، وأن الطقوس والرسائل المتبادلة فى هذا اليوم تعبر عن حالات حب حقيقية غير مفتعلة، وأن الهدايا والقلوب الحمراء و(الدباديب) المنتشرة فى معظم الشوارع تعكس روقان بال المصريين وخلوهم من المشاكل والأزمات، واعترف أمامكم بأن سهم (كيوبيد) أصابنى، فى اللحظة التى ركبت فيها التاكسى مع السائقة الأولى فى مصر الست (أم حسام) امرأة خمسينية، خمرية اللون، سريعة القفشة، حادة الذكاء، تبدو بدينة بعض الشىء، تدعو لك بالستر والشفاء من كل مرض، قبل أن تتعرف عليك، تتفرغ بعدها لتقديم التحليل الشعبى العميق لأوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولاتجد ثغرة واحدة غير منطقية فيما طرحته أم حسام فى رؤيتها الشاملة التى تشمل الحكومة والمعارضة والسلوك الاجتماعي، ورأيها فى التغيير وتقديم الحلول العملية العاجلة لكل مشكلاتنا، تكتشف وأنت تستمع إليها أنك وقعت أسيراً فى هوى سيدة تنتمى إلى ما يمكن تسميته بالنخبة الشعبية، التى نتجاهل وجودها وتأثيرها فى المجتمع، ونضع كل البيض فى سلة النخبة الثقافية والسياسية الرسمية، ثم تدخل معك بعدها فى حوار حول التخصص الدقيق لها وهو قضية التاكسى فى القاهرة من أول نظام القروض حتى نظام المخالفات مروراً بأوضاع السائقين والركاب والشوارع وأمناء الشرطة، وبعد الانتهاء من مناقشة العام والخاص، سيكون أمامها خياران الأول: أن تثق فيك بحاستها السادسة فتطرح أمامك مشكلتها الخاصة، ربما تجد عندك حلاً، بعد أن تخلت الدولة عن شعبها وتركته تائها، والخيار الثاني: أن تصمت بكبرياء وتعفف إذا كنت راكباً من النوع الجامد متبلد المشاعر، ومن حسن حظى أننى فزت بثقة أم حسام، فشرحت لى حالتها المرضية واحتياجاتها لجراحة دقيقة غالية التكاليف، لكنها لم تطلب شيئاً أكثر من أجرة العداد، فجلست قليلاًَ -بعد دفع الحساب- أتأملها، فضحكت أم حسام فى براءة الأطفال، طلبت منها رقم التليفون الخاص بها، فوافقت على مضض، وبعد أيام قليلة كانت على الهواء مباشرة مع الزميل عمرو الليثى تدعو لى بالستر والصحة، وهى الدعوة المفضلة لدى جميع المصريين فى هذه المرحلة، التى تشهد عرى الحال وعلة البدن، ساعتها شعرت بأن عرش الله يسترنى وأن إكسير دعائها شفانى وشفاها من كل مرض، ثم صار صوتها -على التليفون- كأنه صوت مؤذن يصب فى الآذان أشجى الألحان من مقام الحجاز، وفى اللحظة التى يطل فيها أمل الشفاء لأم حسام، يفاجئها المرض العضال، ويصر على الانتشار، فتحمد وتشكر، حتى تزيد الآلام، فتبكى ثم تفرح بالابتلاء، رغم أنها تعول أسرة بأكملها، وفى كل الحالات، لابد أن تبدأ عملها صباحاً خلف عجلة القيادة فى التاكسى، ويجعلها الألم الممزوج بالصبر والحمد فى حالة من الضحك والسخرية، لكنها لا تنسى كل يوم أن تدعو لزبائنها بالستر والصحة،.. ألا تستحق هذه السيدة الرائعة كل الحب فى عيد الحب.. أدعوكم لتشاركونى عشق أم حسام.