«إنها تصريحات تحمل رسائل تطمينية لإيران والقرار لأخير ليس فى يد أمير قطر».. هكذا أكد عدد من الخبراء الإستراتيجيين ردا على تصريحات الشيخ حمد بن خليفة آل ثان أمير قطر الذى خرج عن صمته لأول مرة، وقال فى حوار لصحيفة الفايننشال تايمز البريطانية إنه لن يسمح باستخدام القواعد العسكرية الأمريكية فى بلاده لضرب طهران، وذلك بعد تحذيرات واشنطن المتكررة لطهران باللجوء للحل العسكرى لمواجهة برنامجها النووى عن طريق القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة فى دول الخليج.
تصريحات أمير قطر طرحت تساؤلات عديدة حول مدى جديته فى منع الولايات المتحدة - بموجب الاتفاقيات الأمنية الموقعة بينهما - من استخدام قواعدها العسكرية فى قطر، وما إذا كانت هذه التصريحات مجرد فرقعات إعلامية بعيدة عن الواقع لكسب ود طهران فى الوقت الحالى، وهل تصدق إيران وقوف الشيخ حمد معها ضد حليفته أمريكا؟
أكد أمير موسوى المستشار السياسى للحكومة الإيرانية لـ«اليوم السابع» وجود تفاهمات بين طهران وقطر بصفة خاصة على هذا الأمر، فقد توصلت قيادتا البلدين إلى اتفاق مشترك وتنسيق لمنع هذه الضربة وعدم السماح لأمريكا باستخدام قاعدتى السيلية والعيديد ضد إيران، لافتا إلى أن الاتصالات والتنسيق فى هذا الإطار مستمر، وقطر تتفهم جيدا الهواجس لدى إيران ومسؤوليها حول هذا الأمر وحساسية الموقف. ولذلك أكد الشيخ حمد بن خليفة فى نفس الحوار على الرؤية القطرية لحل أزمة طهران وهى فقط عبر الحوار وليس الحرب.
وبرر الموسوى تلك التفاهمات الإيرانية القطرية بأنها جاءت فى أعقاب تحذير طهران لدول الخليج من التورط فى هذا الأمر، حيث إنها سبق أن حذرت بشدة تلك الدول فى المنطقة من أن يتم استخدام أجوائها الجوية أو مياهها الإقليمية لشن حرب على إيران، وهذا ليس تحذيرا فقط لدول الخليج وإنما لأى دولة تفكر فى مساندة أمريكا لضرب طهران.
المسؤول الإيرانى أشار إلى أن بلاده تطالب قطر ومعها دول الخليج بتحقيق سيادتها على أرضها وإلا فسيؤدى الأمر إلى اشتعال المنطقة.
وأوضح الموسوى أن طهران على اطلاع بالاتفاقيات الأمنية الموقعة بين دول الخليج وأمريكا، مؤكدا أن تلك الاتفاقيات تسمح لهذه الدول بإمكانية رفض استخدام أراضيها لتوجيه ضربات عسكرية لأى أهداف وإنما هى فقط قواعد لتقديم دعم لوجستى للمناطق التى بها قوات أمريكية فى المنطقة، وبالتالى فإن تصريحات أمير قطر ممكنة بالفعل وحق من حقوقه.
العلاقات الجيدة بين الدوحة وطهران كما يقول المحلل السياسى الإيرانى مصدق بور تجعل هناك اطمئنانا إيرانيا للنوايا القطرية، بل تصديقا لتصريحات أمير قطر، معتبرا فى هذا الكلام رسالة دبلوماسية مباشرة لكل من طهران للتأكيد على استمرار التحالف القطرى الإيرانى، كما يمثل رسالة غير مباشرة لواشنطن حتى لاتفكر فى استخدام قواعدها فى قطر لضرب طهران.
وأكد مصدق أن طهران نجحت فى إقامة تحالف قوى ومميز مع الدوحة يختلف عن علاقاتها بأى من دول الخليج الأخرى وذلك على الرغم من العلاقات المعروفة بين قطر وكل من أمريكا وإسرائيل، لكنها تظل تقف على مسافات متساوية بين جميع الأطراف وتحتفظ بعلاقات جيدة بهم، لافتا إلى أن مواقف قطر ليست وليدة اليوم بل إنها كانت أكثر اعتدالا من دول المنطقة الأخرى أثناء حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق.
وأوضح أن القواعد العسكرية الأمريكية فى دول الخليج لا تمثل فقط تهديدا لأمن إيران وإنما لدول المنطقة بأسرها، والتاريخ يؤكد ذلك حيث لم تأمن العراق وهى دولة عربية مجاورة من غدر تلك الدول حيث سمحت لأمريكا باستخدام أراضيها لضرب العراق فى العام 2003 ولكن بالنسبة لإيران الوضع مختلف فلا توجد دولة خليجية تستطيع الوقوف فى مقابل إيران.
وإذا كانت إيران من خلال قنواتها الدبلوماسية مع الدوحة تثق فى قدرة أمير قطر فى منع أمريكا من استخدام قواعدها العسكرية لضربها، فإن من الناحية العسكرية وعلى أرض الواقع هناك وجهة نظر أخرى مختلفة حيث قلل اللواء محمود خلف، مستشار المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط من تلك التصريحات واصفا إياها بـ«السياسية البحتة» لغير المعنيين الذين لا يتمتعون بقدر من الذكاء، متسائلا: إذا كان كلام أمير قطر صحيح فلماذا إذن يحتفظ بقاعدتى السيلية والعيديد داخل أراضى بلاده؟ خاصة أن قاعدة السيلية تمثل مركز القيادة المتقدم لقيادة القوات المركزية الأمريكية فى المنطقة، وهذه القاعدة مسؤولة عن إدارة مسرح العمليات العسكرية فى الشرق الأوسط ومسؤولة عن قيادة العمليات العسكرية اعتبارا من الحدود الغربية للصين مرورا بإيران، ففى حالة الحرب سواء قبلت قطر أو أبت فإنها ستمثل جزءا من مسرح العمليات.
وأشار إلى أن هذه القواعد تضم مخازن إستراتيجية لقيادة القوات العسكرية الأمريكية وطائرات الوقود ويصل عدد الطائرات الحربية بها إلى 1000 طائرة وذخائر GBU المصممة لقصف الأنفاق. كما أنها تعمل على مدار 24 ساعة فى إعادة ملء جميع الطائرات الحربية فوق الخليج وهناك نشاط جوى يومى للوقاية وأعمال التأمين وهذه تمثل أعمالا استفزازية لإيران.
وأكد خلف أن الولايات المتحدة لديها الحق الكامل فى الدفاع عن نفسها واستخدام هذه القواعد دون إذن فى حالة تهديد أمنها.
استخدام قاعدتى السيلية والعيديد فى حرب أمريكا على العراق عام 2003 اعتبرها الخبير الإستراتيجى اللواء حسام سويلم سابقة تؤكد فراغ تصريحات الشيخ حمد من الواقعية ولا تتعدى التصريحات الصحفية لعدم إغضاب إيران.
وأضاف اللواء سويلم أن قاعدة العيديد تضم مقاتلات من طراز «F 17» وهى تشكل رأس الحربة فى أى ضربات جوية، خاصة أن الرادارات غير قادرة على كشفها. وعلاوة على ذلك فإن عدد القوات الأمريكية التى تتمركز بهذه القواعد يتعدى تعداد الشعب القطرى، وبالإضافة لأسطول حاملات الطائرات فى الخليج فإن العيديد تضم حاملتى طائرات على كل منهما 80 طائرة، ويتوفر بها ممرات طويلة تسمح بإطلاق هذه الطائرات.
وبعيدا عن هذا، يتفق سويلم على أن وجود هذه القواعد يمثل حماية لدول الخليج، والدولة الوحيدة التى لا يوجد بها قاعدة عسكرية وهى السعودية لجأت لتحصين نفسها بصفقة أسلحة تبلغ 60 مليار دولار.
أما الخبير الإستراتيجى اللواء يسرى قنديل أستاذ العلوم العسكرية بأكاديمية ناصر العليا فقال إن قطر دولة ضعيفة حالها حال غيرها من دول الخليج التى تلجأ للحماية الأمريكية من خلال القواعد العسكرية. فلقد التزمت بلدان غرب الخليج باتفاقات أمنية مع الغرب لحمايتها وحماية تجارتها البترولية. وأشار إلى أن التصريحات الإعلامية شىء والواقع شىء آخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة