«إن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا لأحد والدولة القانونية هى التى توفر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحقوقه وحرياته لنظم السلطة فى إطار من المشروعية، هذه هى كلمات رئيس محكمة القضاء الإدارى فى حيثيات حكم بطلان مدينتى بالدرجة الاولى، وخلال عامين فقط أصدر القضاء الإدارى عشرات الأحكام القضائية، بعضها لصالح الحكومة نفذته، وأغلبها ضد الحكومة نفذت أقله والتفت حول بعضه وتجاهلت أغلبه.
آخر أحكام المحكمة الإدارية العليا كان الحكم بإلغاء الحرس الجامعى التابع لوزارة الداخلية، الدعوى أقامها عدد من أساتذة جامعة القاهرة لإغلاق مكاتب الحرس الجامعى التابعة لوزارة الداخلية.
الإدارية العليا هى التى أصدرت حكم بطلان عقد مدينتى، وحكمت فى دعوى المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بإلزام المجلس القومى للأجور بزيادة الحد الأدنى لأجور العمال. وحكمت ببطلان انتخابات اتحاد الكرة، ووقف تنفيذ قرار هيئة الرقابة المالية ببيع أسهم موبينيل إلى فرانس تليكوم. وألغت قرار وزير الداخلية بمنع دخول المحمول إلى أقسام الشرطة. ، وهى التى سمحت للمنتقبات بدخول الامتحانات ثم عادت لتلغيه. وأحكام تخص خانة الديانة للبهائيين، أو الغاء القانون 100 الخاص بالنقابات المهنية.
القضاء الإدارى هو الذى حكم بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل ثم عادت الإدارية العليا لتلغى الحكم واعتبرت أمر تصدير الغاز لإسرائيل عملا من أعمال السيادة لكنها ألزمت الحكومة بوضع آلية لتحديد كمية وسعر تصدير الغاز المصرى للخارج، وعمل مراجعة دورية للتأكد من اكتفاء السوق المحلية. الحكومة اعتمدت الشق الأول من الحكم وتجاهلت البحث عن صيغة لتنفيذ الشق الثانى.
الحكومة عندما تلتف على أحكام القضاء تنسف أساس الدولة، لأن سيادة القانون تحمى المجتمع والدولة من تغول الافراد والسلطات، ومجلس الدولة هو حارس القانون وليس ضد الحكومة بل هو سند للدولة، بسلطته المستقلة التى يفترض أنها تمثل المجتمع والدولة وليس الحكومة. السلطة التشريعية تضع القوانين، والسلطة التنفيذية هى التى تنفذ، أما القيم على كل هذا فهو القضاء السلطة الثالثة.
توقع كثيرون أن تلتف الحكومة حول حكم الإدارية العليا بإبعاد الحرس، نظيف تحدث عن بدائل، وهلال قال إن الحكم يسرى فقط على جامعة القاهرة.
حقوقيون اعتبروا تطبيق الحكم على جامعة واحدة فقط نوعا من الالتفاف لان المحكمة أرست مبدأ قانونيا ينبغى أن يطبق فى كل الجامعات. ويفترض ان تسارع الحكومة بتقديم بديل بمشروع قانون وألا تنتظر لجوء آخرين للقضاء.
تصريحات الحكومة توحى بوجود نية أن التنفيذ فى جامعة القاهرة سيتم شكلا بتغيير اسم الحرس أو ملابسه. خاصة أن لها سوابق فى الالتفاف حول أحكام القضاء. وأقرب مثال كان حكم الإدارية العليا ببطلان عقد «مدينتى»، الحكومة سحبت الأرض وأعادتها إلى الشركة بنفس السعر. وكان من الممكن البحث عن أصل المشكلة فى التشريعات وليس فى الحيل.
محاكم القضاء الإدارى بدوائرها الخمسين تصدر ألاف الاحكام فى العام الواحد والعام القضائى الماضى أصدرت 6 آلاف حكم لم تنفذ الحكومة منها أكثر من 6 % حسب منظمات حقوقية، رغم أن أحكام القضاء الإدارى واجبة النفاذ ولا يوقف تنفيذها الطعن أو الإشكال.
المستشار حسن سيد عبدالعزيز - رئيس المحكمة - التى أصدرت الحكم الاول فى مدينتى قال فى حيثيات الحكم «إن الدولة القانونية هى التى تخضع أنشطتها أيا كانت سلطاتها لقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة»، وقال أيضا: حماية المصلحة العامة التى لا يجوز أن تختل، ضمانا لمعاملات يرجى منها رعاية الحقوق لا إهدارها أو الانتقاص منها». وهذه العبارات تعبر عن الدولة المدنية وسيادة القانون، وعدم تنفيذ أحكام القضاء يعطى المواطنين شعورا بعدم جدوى التقاضى. مجلس الدولة هو ديوان المظالم، وهناك 1.1 مليون قضية خلال العام القضائى المنتهى فى يونيو ضد السلطة التنفيذية من الرئيس لرئيس الوزراء والوزراء والمحافظين.
وأصدرت محاكم مجلس الدولة بمختلف درجاتها اكثر من 10 آلاف حكم كان أبرزها حكم الإدارية العليا بأحقية القبطى المطلق بموجب حكم قضائى فى الزواج الكنسى الثانى وهو الحكم الذى رفض البابا شنودة تنفيذه، وفتح باب الجدل حول الجهة التى من شأنها تنفيذ الاحكام وهل هى الحكومة أم المؤسسات الدينية.
وأكدت أحقية البهائيين فى كتابة «-» أمام خانة الديانة فى بطاقة الرقم القومى، بدلا من مسلم، وزارة الداخلية نفذت الحكم وسط جدل كبير.
محكمة القضاء الإدارى أصدرت حوالى 4 أحكام فى قضية دخول المنتقبات للمدينة أو حضور الامتحانات بالنقاب. جرت العادة أن تنفذ الحكومة ما يناسبها، وتتحايل على ما يناقض هواها. ولا تلجأ أبدا لبحث الأحكام والحيثيات لتتخذها مسارا لمناقشة القضايا المطروحة والوصول إلى تشريعات تسد الثغرات، وهل يمكن مناقشة قضية النقاب بوصفها أمرا سياسيا أم أنه أمر يتعلق بالدين أو الحرية الشخصية، والامر يستلزم التشريع بعد مناقشات تستند إلى آراء الفقهاء ورجال القانون. وليس الترزية الذين يحترفون التوصل إلى ثغرات تضاعف المشكلة. لأن التناقض وعدم وضوح المواد القانونية يجعل بعض الأحكام اجتهادية.
القانون يعاقب أى مسؤول حكومى يمتنع عن تنفيذ حكم قضائى بعقوبة الحبس أو العزل عن منصبه وهو أمر لم يحدث فى مصر حتى الان، حيث تصدر آلاف الأحكام يرفض المسؤولون تنفيذها أو يتحايلون عليها ولا تصدر بحقهم عقوبات.
لكن محكمة جنح عابدين قضت مؤخرا بحبس محافظ القاهرة عبدالعظيم وزير وعزله لانه رفض تنفيذ حكم قضائى وإذا تم تطبيق القانون فإن كل المسؤولين سيكونون في السجن.
التنفيذ هو دور السلطة التنفيذية وعدم تنفيذ الحكومة للأحكام من شأنه أن يجعل القضاء فى مواجهة المواطنين بينما الحكومة هى التى يفترض أن تنفذ الاحكام. ولهذا لجأ بعض أصحاب الحقوق للتظاهر أمام مجلس الدولة للمطالبة بتنفيذ الأحكام، وهو مادفع رئيس مجلس الدولة المستشار محمد عبدالغنى للقول: على الجهات التنفيذية أن تنفذ أحكام القضاء بصفة عامة وعلى المواطنين بدلا من التظاهر وتنظيم الوقفات الاحتجاجية أمام مقر مجلس الدولة أن يذهبوا إلى مقار الوزارات والجهات الحكومية المعنية بالتنفيذ ويحتجوا أمامها لأن دور مجلس الدولة ينتهى بمجرد إصداره الحكم أو الفتوى المعروضة أمامه. وهو رأى يشاركه فيه كثير من مستشارى مجلس الدولة.
الحقوقيون والقانونيون اعتبروا تجاهل الحكومة أحكام مجلس الدولة وتعمدها عدم تنفيذ أحكامه يهدد السلام الاجتماعى، وقال خالد على، مدير المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية - إن الهدف من إنشاء 3 سلطات للدولة قضائية وتنفيذية وتشريعية هو حل النزاعات التى قد تنشأ بين أجهزة الدولة. ومنع أى سلطة من ان تجور وتتجاوز سلطاتها.
ويرى بهى الدين حسن، مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، أن «من سمات النظام الحالى عدم احترام أحكام القضاء سواء أحكام محكمة النقض بشأن عضوية مجلس الشعب، بالإضافة للعديد من الأحكام للمعارضين وغيرهم».
شكلا تبدو السلطة التنفيذية هى الأقوى لأنها تسيطر على الشرطة وتتخذ القرارات الإدارية اليومية، لكن القضاء بالرغم من أن القاضى لايملك إلا قلم رصاص يكتب به الأحكام فإن هذه الاحكام يفترض أن تحرك السلطة التنفيذية نفسها، وبالتالى تمنع السلطة التنفيذية من الخطأ أو التجاوز فى استخدام القانون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة