فى موسم الانتخابات يأخذ القانون إجازة.. وتكون مناسبة لمنح الاستثناءات والوعود، خاصة من جانب مرشحى الحزب الوطنى الذين يجدونها فرصة لاستخدام الحكومة فى منح استثناءات بعيدًا عن القانون.
وقد رأينا كيف استمرت وزارة الرى تحرر مخالفات للفلاحين الذين زرعوا الأرز لأنهم خالفوا تعليمات الدورة الزراعية ولما جاءت الانتخابات وترشح وزير الرى فإنه سارع بتقديم الالتماسات والمطالبة بإسقاط المخالفات والمحاضر المحررة ضد الفلاحين، ونفس الأمر مع مخالفات البناء على أراض زراعية.. ويسعى السادة مرشحو الوطنى لمنح القانون إجازة حتى يشتروا قلوب الناخبين وأصواتهم.
والمرشح هو نائب محتمل، يستعد ليكون عضوًا فى السلطة التشريعية التى تضع القوانين ويسهر على احترامها وتنفيذها، لكنهم فى الواقع يفعلون كل ما فى وسعهم من أجل تعطيل القوانين الطبيعية وإحياء الاستثناءات، واختفى تقريبًا النائب الذى يأخذ على كاهله التقدم بقوانين تحل بشكل جذرى مشكلات الناس.
ومن نافذة الاستثناءات تأتى الاختراقات، وكانت حادثة العمرانية نتاجا لهذا السلوك، مركز خدمى مسيحى تحول إلى كنيسة ومصدر للصراع ما كان له أن يحدث بهذا العنف لولا أنه موسم انتخابات. تصور البعض أن الأمر يمكن أن يمر وإن بعض الضغط يمكن أن يدفع المحافظة والجهات التنفيذية للتسامح وترك المخالفة، خاصة أنهم يرون العاصمة كلها مخالفات بناء، هناك أبراج ارتفعت إلى 20 طابقًا مع أن ترخيصها خمسة وعمارات تجاهل أصحابها إنشاء الجراجات وحولوها إلى محلات وحصلوا على استثناءات وإعفاءات ولم يقف أحد لينفذ فيهم حكم القانون، ولدينا عشرات من بيوت العبادة العشوائية التى قامت فى السبعينيات والثمانينيات، وكان أصحاب العمارات المخالفة يقيمون مساجد للهرب من المخالفة أو الضرائب، وهو ما جعل القاهرة والمحافظات تزدحم بمئات الزوايا العشوائية التى لا تليق بالصلاة، بل إن انتشارها أفقد المساجد الكبرى روحانيتها لصالح كيانات عشوائية،
وفى مناطق مزدحمة وعشوائية تخلو من مستوصفات أو مستشفيات. تحولت دور العبادة إلى طريق للنفاق الاجتماعى والدينى والانتخابى فى غيبة القانون.
منطقة العمرانية ومناطق كثيرة فى العاصمة تزدحم بالعشوائيات، ومنطق من حولوا الكنيسة أنه وسط العشوائيات ماذا يحدث لو قامت الكنيسة بدلا من المركز الخدمى، وتصوروا أن الحكومة ربما مشغولة فى الانتخابات وأن الجهات المحلية لن تلتفت لمخالفة.. لكن ماجرى أن الأمر اتسع وتطور، وكان رد الفعل العنيف منهم ورد الفعل الأعنف من السلطات التى ربما ارتأت أن يكون رد الفعل إنذارًا آخرين.
والنتيجة سقوط ضحايا أبرياء تصوروا أنهم يخدمون الدين حتى لو كانوا يخالفون القانون، ولم يظهر مرشح أو نائب يسعى لإخماد الاحتقان، وجمع الأطراف المختلفة، للبحث عن تطبيق القانون.
ولم يلتفت أحد إلى أهمية أن يتم وضع تشريع دائم ينظم إقامة المساجد والكنائس، بشروطها المدنية والاجتماعية، ومرت دورات انتخابية لم يتقدم أحد بقانون دور العبادة الموحد الذى يضع حدًا نهائيا.
واستمرت الحالة الاستثنائية الانتخابية، التى تلد الفتنة فى كل وقت. وماجرى فى العمرانية تكرر من قبل فى الصعيد وبحرى، وسوف يتكرر طالما غاب القانون وظل النفاق الانتخابى هو الطريق السائد.
المشكلة وكل مشكلة فى مصر سببها غياب القانون، الموحد الذى يساوى بين المواطنين، ومن حق المسيحيين أن يقيموا كنائس لائقة يمارسون فيها صلواتهم، مثلما يفعل المسلمون، وهذا لن يأتى إلا بوجود قانون عام ومجرد وليس مجرد استثناءات انتخابية تفتح وتغلق حسب الهوى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة