حين أحاول قراءة المشهد المؤلم والمؤسف والدامى الذى وقع فى العمرانية مؤخرا أكتشف أننى أمام مجموعة من النقاط التى تستحق التوقف والتأمل.
أول هذه النقاط أننا أمام مواجهة عنيفة وقاسية بين الإخوة المسيحيين من جهة وبين الجهاز التنفيذى للدولة وقواته الأمنية من جهة أخرى. تلك المواجهة التى جاءت نتيجة ما سمته الحكومة بتحايل المسيحيين لبناء كنيسة بالمخالفة لترخيص إنشاء مجمع خدمى تابع لمطرانية الجيزة. وأن ما يدعو للتوقف فى هذا السياق هو سؤال يطرح نفسه بشدة، وهو لماذا يلجأ الإخوة المسيحيين لهذا التحايل؟
إن الدولة بأجهزتها التنفيذية والتشريعية هى مجموعة من المؤسسات تتشكل أمام ضرورات تحقيق احتياجات المواطنين وتنظيم العيش المشترك بين مختلف قطاعات الشعب وقيادة المجتمع بشكل منهجى ومخطط نحو آفاق التطور والنمو. وأن عجز الدولة عن تحقيق الاحتياجات الرئيسية لقطاع واسع من الشعب يفتح الطريق أمام تجاوز دور الدولة ويكرس سلوك الفوضى فى الحصول على الحقوق والاحتياجات.
وفى هذا الإطار يجب أن نتذكر حجم المطالبات المجتمعية على مدى سنوات لإصدار قانون بناء دور العبادة، تلك المطالبات التى تملصت منها الأجهزة التنفيذية وماطلت فى الاستجابة لها مما أدى إلى استمرار هذا الوضع المحتقن الذى يستشعر فيه المسيحيون الغبن والاضطهاد الذى يحرمهم من حق أصيل وهام لدى المصريين جميعا، وهو حق العبادة وممارسة الطقوس الدينية. وتلك هى إجابة السؤال، ويصبح التحايل هو الخيار الوحيد للحصول على هذا الحق الأساسى.
من المسئول إذن من قطع الطريق على تقنين الحق أم من تحايل للحصول عليه؟ من كرس مفاهيم غياب دور الدولة فى تلك القضية أم من حاول الحصول على حقه فى ظل غيبة قانون ينظم هذه الحقوق؟
النقطة الثانية هى ذلك الطابع العنيف للمواجهة الأمنية للحدث بدعوى التصدى للخارجين على القانون. والواقع أننى لا أستطيع ألا أن أندهش أمام هذا التفسير غير المنطقى. فكم من الأبراج المخالفة للتراخيص فى محافظة الجيزة لا يتم مواجهتها بهذا العنف إن كانت هناك مواجهة من الأساس. والأمر الأكثر أهمية فى هذا الإطار أن الحكومة نفسها تلجأ لسياسة التحايل على القانون ولا تلتزم بتنفيذ الأحكام القضائية التى تأتى على غير هواها بدءا من أحكام بطلان انتخابات المجالس النيابية والمحلية ومرورا بأحكام بطلان عقد بيع مدينتى والحد الأدنى للأجور وأخيرا وليس آخرا حكم إجلاء حرس وزارة الداخلية من الجامعات المصرية. هل تستدعى مخالفة ترخيص بناء إراقة هذه الدماء، وهل يعقل أن حكومة لا تحترم أحكام القضاء تنبرى للدفاع عن القانون بهذا العنف المأساوى؟
النقطة الثالثة أننا أمام حدث مختلف عن باقى الأزمات الطائفية التى شهدتها مصر فى السنوات الأخيرة. نحن أمام مواجهة دامية بين إخواننا المسحيين وأجهزة الأمن لم يلعب فيها المسلمون المصريون دورا فى مواجهة أشقائهم المسيحيين، بل على العكس كانت هناك مظاهرة من المسلمين تناصر المسيحيين وتتضامن معهم.
إذن الأمر هذه المرة يختلف فقد كان الأمن طرفا أساسيا ولم يكن أداة لحفظ النظام ودرء الفتنة كما كان يدعى سابقا. إن هذه الأحداث تؤكد أن معاناة المصريين مسلمين ومسيحيين واحدة أمام نظام لا يحترم حقوقهم فى الحياة الكريمة وحقوقهم الإنسانية والسياسية والدينية، وأنه لا يمكن الفصل بين إعاقة إصدار قانون بناء دور العبادة وبين القهر السياسى والاجتماعى الذى يتعرض له مجتمع 40% منه تحت خط الفقر.
• أستاذ الكبد بمعهد تيودور بلهارس.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة