مناقشة غريبة دارت بينى وبين بنتى التى تبلغ من العمر 9 سنوات.. ما دعانى لاعتبارها غريبة هو الهوة السحيقة التى تفصل بين طريقة تعليم كل منا! فأنا خريج مدرسة حكومية من إحدى الدول العربية وهى تدرس فى إحدى المدارس التابعة لسفارة دولة أجنبية من دول العالم الأول أو كما يحلو للبعض اعتبارهم.. سألتنى سؤالا غريبا: بابا أنت هاتروح تنتخب؟ فأجبت: لا يا بنتى أنا ما بروحش دا غير إنى لازم أركب طيارة وأنزل مصر عشان انتخب!ردت عليا فى حزم وبثبات غريب: دى مسئوليتك وواجبك ولازم تؤديه!.. طبعا باستخدام مفردات إنجليزية استعنت بالقاموس لفك بعد طلاسمها.. انتهى النقاش بيننا بأن أقنعتها أنها غلطتى أنى لا أشارك وكم أنا سلبى لعدم تفاعلى الانتخابى ووعدتها –كاذبًا- بأن أغير ثقافتى تجاه هذا الموضوع لحسن الحظ وفى نفس اليوم كنت أتابع معها إحدى القنوات المصرية فى فاصلها الإعلانى الذى يعشقه عادة الصغا.. وفجأة قفز إلى الشاشة بطل إحدى الفقرات الإعلانية أو الحملات التوجيهية.. ولاحظت أنا وابنتى أن هذا الإعلان جديد فزاد فضولنا لمعرفة محتواه.. اتجه البطل إلى غرفة تحقيق فى قسم شرطة ولكنها غرفة مصممة على غرار الأفلام الأمريكية وهو ما جعل بنتى يزيد اهتمامها بالمحقق-البطل- الذى يدخل ليحقق مع –مجرم-حسب ثقافتى-ومتهم-حسب ثقافتها! وتوالى الحوار التهديدى من المحقق والشخط والنطر أحيانا ومحاولة استمالة المتهم للإقرار بشىء ما.. وبنتى يرتسم على وجهها علامات الترقب والريبة! وتسألنى سؤالا كوميديا(هوفين المحامى بتاعه؟) ثم تتوالى الأحداث ويقوم المحقق بالتشمير عن ساعديه وإزالة الساعة من معصمه والنظر بحدة للمتهم وهو ما أوحى لها –حسب ثقافتها-أن المحقق مقبل على انتهاك صارخ لحقوق الإنسان! وحسب ثقافتى فإن الجملة القادمة أنت ها تعترف يابن ال(.....) ولا تحب نوضبك؟ ولا اندهلك بكرى وعشماوى(مع الاعتذار للاسمين) وفجأة تتحول الكاميرا إلى وجه المتهم لأول مرة منذ بدأ الإعلان لنجده نفس شخص المحقق وكأنه كان يتحدث إلى ذاته!! ليعترف ويقر ويقول (هاروح انتخب)!!!!!
عندها سألتنى بنتى سؤالاً عفويًا: بابا هو اللى مش هاينتخب فى مصر هايعملوا فيه كده؟؟ لازم تحجز وتنزل مصر ضرورى!!وعلامات الرعب على وجهها!!
سأترك لكم استنباط ما يحلو لكم من معان لكنى يضيق صدرى ببعض التساؤلات:
هل أنا مخطئ فى تربية ابنتى على ثقافة أخرى تحترم فيها حقوق الإنسان؟ أو على الأقل كما يدعوا هم وتنم بعض أفعالهم عن نقيض ذلك؟ وهل سوف تصدم إذا ما عادت لتعيش فى بلدها وبين أهلها؟•هل نعترف علانية أن الأسلوب البوليسى والانتهاكى هو الأسلوب الوحيد القادر على إخضاع الشعب المصرى العظيم؟ وهو الوسيلة لإيصال رسالة-من المفترض -أنها إيجابية! هل أنا مخطئ لأنى لم ولن أذهب إلى صناديق الانتخاب يوما!•
هل هناك من يستطيع أن يقنعنى بإيجابيات هذه الحملة لحث الناس على الانتخاب؟•وأخيرا.. ماذا لو رفض المتهم فى هذه الحملة وقال-مش هانتخب حد-هل كان المشهد التالى هو صورته معلق من قدميه أو مغمى عليه على أرض الغرفة!
وأخيرًا أنا مش هانتخب.. مش لأنى سلبى ولكن لأنى لا أستطيع الانتخاب وأنا خارج مصر.. ولكنى سوف أحاول أن أفكر مرارًا فى كلمة ابنتى أنها مسئوليتى وواجبى تجاه بلدى.