أكرم القصاص - علا الشافعي

خالد صلاح

خالد صلاح يكتب: برلمان 2010.. لماذا يجب أن نؤمن بالإصلاح السياسى القائم على المؤسسات؟

الخميس، 25 نوفمبر 2010 08:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن العدد الأسبوعى

مشاركتك فى الانتخابات ليست عديمة القيمة كما تتصور، أو كما يوهمك هؤلاء المحبطون من حولك، فهذه المشاركة ترفع من روح الأحزاب السياسية، وتعزز دور المجتمع المدنى، وتفتح نفس الصحافة على الفخر بالضمير الوطنى اليقظ بين الناس.

أنت ربما تسأل نفسك الآن: ما الذى نستفيده من الانتخابات البرلمانية إن كان الحزب الوطنى قد يسيطر على أغلبية المقاعد فى مجلس الشعب؟ وما التغيير الذى يمكن أن يحدث فى بلد مثل مصر، إن كان الحزب الحاكم مستمرا فى الهيمنة الشاملة على العمل البرلمانى (تشريعيا ورقابيا) خلال خمس سنوات أخرى؟ وما هى الفائدة من أحزاب المعارضة إذن، أو من الأفكار الأخرى للتغيير والإصلاح، إن كان الوضع باقيا على ما هو عليه دون رؤية مختلفة، ودون باقة مغايرة من الوجوه الجديدة؟

أستحلفك بالله أن تصدقنى إن قلت لك إن مشاركتك فى الانتخابات أيا كانت النتائج، هى أول وأهم الخطوات فى التغيير، لأننى أؤمن، بيقين كامل، أن التغيير فى هذا البلد لا يتحقق عبر الدعوات ضيقة الأفق بالإصلاح الثورى الشامل، أو بهوجة الجياع التى يبشر بها فريق من المحبطين الذين يتوهمون أن الوصول للإصلاح لا يتحقق إلا عبر آخر مراحل الفوضى، هذا الطرح يكشف عن جهل حقيقى بالواقع الاجتماعى والإنسانى والدينى والسياسى لمصر، وهذه الأفكار ليست إلا زيفا يطرحه فريق من بيننا عن جهل وغلاظة فى الفكر، ويطرحه فريق آخر عن سوء قصد دون رعاية للمصلحة العليا الأساسية لبلادنا.

التغيير الحقيقى لن يصير واقعا حيا إلا عبر العمل السياسى المؤسسى الواعى، وبالمشاركة الجماهيرية الفاعلة، ومن ثم، فإن دورك أن تدعم هذا العمل الانتخابى، وأن تختار المرشحين من المستقلين أو الحزبيين الذين تظن أنت أنهم يحققون ما تطمح إليه من مستقبل لمصر، مشاركتك ليست عديمة القيمة كما تتصور، أو كما يوهمك هؤلاء المحبطون من حولك، فهذه المشاركة ترفع من روح الأحزاب السياسية المصرية المعارضة، وتعزز دور المجتمع المدنى، وتفتح نفس الصحافة على الفخر بالضمير الوطنى اليقظ بين الناس.

ومشاركتك فى الانتخابات أيا كان المرشح الذى تنحاز إليه، تعنى أن الأمل لا يزال باقيا فى أن يكون الناس هم الحكم الأول والأخير، وأن يكون الناس هم الرقباء على صناديق الاقتراع، وهم الحماة ضد تزوير إرادتهم إن أرادت أى قوى أيا كانت، أن تغيّر ما ترجمته القلوب والضمائر والأحلام على أوراق الاقتراع.

نحن يجب أن نفهم مجتمعنا على النحو الصحيح، حتى نتمكن من تحقيق الإصلاح الذى نتطلع إليه، انظر مثلا إلى النهاية المؤلمة التى آلت إليها تجربة الدكتور محمد البرادعى، فالرجل الذى يحتل موقعا نبيلا بين الناس، أخفق فى أن يمسك بطرف الخيط فى فهم الواقع الاجتماعى والسياسى لمصر، وانجرف بنية مفرطة فى طيبتها وبراءتها نحو الإصلاح خارج العمل المؤسسى، فاختار أن يتحدث عن مظاهرات الغضب لا عن التغيير المؤسسى والقانونى، وانحاز إلى المسيرات الاحتجاجية وشعارات الانقلابات الدرامية فى بناء السلطة، دون أن يراهن على البناء التراكمى لعملية التغيير، خطوة بخطوة، ومعركة بمعركة، تحت مظلة من احترام تاريخ أحزاب المعارضة المصرية، وتاريخ مسيرة التغيير السياسى والاجتماعى.

المسألة هنا ليست مجرد شعار نلهب به حماسة الناس، ثم نذهب إلى بيوتنا دون خطة واضحة فى الإصلاح، والأمر هنا لا يجوز فيه أن نستثمر معاناة الناس، بأن نرسم لهم أحلاما طائرة فى الهواء دون أن ندبر حراكا واقعيا يحملنا جميعا خطوة واحدة للأمام، ولذلك أنا أنحاز بوعى كامل إلى دعم الحركة الحزبية المصرية، مؤمنا بأن استمرار دفع العمل المؤسسى فى التغيير، هو السبيل الأقوى فى الإصلاح والتغيير، وأن مشاركة الجماهير فى الانتخابات بكثافة، هى الوقود الذى سيقود هذه الحركة الحزبية إلى أفعال حقيقية تكسر بها أى احتكار للسلطة، وكل هيمنة مطلقة على مسار العمل السياسى فى مصر.

أنا أضع أمامك سؤالا، أرجوك أن تفكر فيه بحكمة وهدوء: متى كان التغيير فى مصر مطلقا وشاملا وقاطعا وثوريا على نحو يحقق آمال الناس بشكل كامل؟
الإجابة عندى: (لم يحدث ذلك مطلقا عبر التاريخ).. حتى إخناتون، وقت أن كان حاكما فردا بسلطات مطلقة، لم يستطع تغيير ما تعاقد عليه الناس من أفكار، وحتى ثورة يوليو وقت أن كان زعيم عظيم مخلص بحجم جمال عبد الناصر على كرسى السلطة، لم يستطع أن يحقق كل الأحلام الوطنية التى بدت وقتها ممكنة وقابلة للتحقيق، لذلك أؤكد لك أن المسألة كلها تحتاج إلى تراكم مستمر من العمل السياسى والاجتماعى، وتحتاج إلى أن ننحاز إلى المؤسسات الحزبية الشرعية، ونستثمر هذه الانتخابات لندفع فى شرايينها دماء جديدة وروحا مختلفة.

هذا الطريق المؤسسى ربما يحملنا إلى صورة مختلفة لمصر خلال عشر سنوات أخرى، فحتى الحزب الوطنى، لم يعد كما كان فى الماضى، فبين صفوفه اليوم كوادر اجترأت على النقد، وتشجعت على مواجهة الحكومة، هذا الحزب الذى ورث نظريات الـ (99.9 %) قبل أقل من ثلاثين عاما، أصبح اليوم يراهن على أغلبية الثلثين فقط، لأن قياداته يعرفون أن هناك شعبا مختلفا تنشط فيه الحركات المدنية وتتيقظ فيه قوى التغيير، وتنمو فيه المؤسسات الإعلامية المستقلة، ومن ثم يعرف أنه لا يمكن أن يضمن استقرار البلد إلا عبر التوازن مع كل القوى، هذه خطوة أولى ومهمة، لم يكن لها أن تتحقق إلا عبر مشاركتك أنت فى العمل السياسى والاجتماعى، وإلا عبر إيمانك أنت بأهمية أن تذهب يوم الأحد المقبل إلى لجان الاقتراع.
أرجوك ألا تستسلم للإحباط، وأن تؤمن تماما بأن ما تزرعه أنت بنفسك من بذور اليوم، يقطفها أولادك ثمارا ناضجة فى المستقبل، وأن حرصك على مستقبل مصر ومستقبل أولادك على أرضها، يدفعك إلى الانحياز للعمل المؤسسى المتراكم والمستمر، دون أن ينقطع نفسك فجأة، أو تفقد أملك بسرعة فتجرفك الإحباطات نحو عزلة اختيارية عن المشاركة، أو نحو سلوك فوضوى لا يسمن ولا يغنى من جوع.

مصر التى نحيا فيها اليوم، رغم كل الأوجاع والهموم الفردية والجماعية، ليست مصر التى كنا نحياها قبل عام 2005، فالنضال القانونى والمؤسسى هو الذى أثمر تعديلا دستوريا واسعا، ومشاركة رفيعة من تيارات المعارضة، وتعاظما لمؤسسات حقوق الإنسان، ونشاطا مشرقا للجمعيات الأهلية وقوى المجتمع المدنى، صحيح إننا- أنت وأنا وكل من حولنا- نريد تعديلات دستورية أوسع، وتشريعات سياسية أكثر أمانا ونزاهة، وتوزيعا للثروة أكثر عدلا وطهرا واتزانا بين الأغنياء والفقراء، لكن كل ذلك لن يتحقق أبدا إذا خرج مليون متظاهر، أو عدة ملايين من المتظاهرين إلى ميدان التحرير، لكنه يتحقق حتما إذا خرج هذا العدد نفسه للاقتراع فى كل محافظة فى مصر من الإسكندرية إلى أسوان، وكل ذلك يتحقق أيضا إن اخترنا أن نناضل نحو التغيير بالقانون، وبالعمل الحزبى، وبالإيمان المؤسسى، وباحترام كل فريق للآخر.

إن أردت إصلاحا حقيقيا فأرجوك أن تفكر فيما قرأت الآن بعقل هادئ وفكر رشيد، أما إن أردت غضبا بلا معنى، وثورة بلا غايات، وضجيجا بلا طحين، فلا تذهب إلى الانتخابات، واجلس فى بيتك لتصب لعناتك على كل من حولك، وتشكك فى كل فعل حقيقى على الأرض لتنتظر تغييرا يأتى لك من السماء.

لكن اعلم أن السماء نفسها تنتظر منك أنت أن تبادر بالفعل الأول على نحو صحيح، واعلم أيضا أن الله خلق الأرض فى ستة أيام، وأن النبى محمد صلوات الله وسلامه عليه، قضى ثلاثة عشر عاما للدعوة فى مكة دون أن يغيّر الأرض وما عليها إلا بعد ثلاثة وعشرين عاما من العمل المستمر، أكرر هنا.. المستمر.
وعلى العموم.. أنت حر.












مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة