"غداً.. فى السابعة" قصة قصيرة للطاهر الشرقاوى

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010 11:48 ص
"غداً.. فى السابعة" قصة قصيرة للطاهر الشرقاوى صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما رن التليفون فى الصباح، كان يسود الحجرة صمت عظيم..
شعاع لطيف من النور يتسلل من فتحات الشباك.. توقفت حنفية المطبخ عن التنقيط الذى تواصل طوال الليل.. سكن الشارع من ضجة عيال المدارس، بينما تخلت ربات البيوت عن أعمال النظافة اليومية.. لحظتها كنت أحدق فى شاشة الكمبيوتر..
كان الرنين مزعجا ولحوحا.. وعاليا لدرجة لا تحتمل..
عندما نظرت إلى شاشة التليفون لم يكن ثمة اسم مسجل أو حتى رقم.. الشاشة خالية تماما من أى شيء..
فقط رنين حاد يضغط على روحي..
أغمضت عينى لأجزاء من الثانية ثم فتحتهما..
لم يكن هناك اسم أو رقم.. نظرت إلى ابعد نقطة فى الحجرة ثم مررت عينى على السقف الأبيض.. سألت نفسي: هل حان الوقت لزيارة طبيب العيون؟
لا يوجد اسم أو رقم..
أحسست بثقل الرنين وهو يضغط على بقوة..
نظرت إلى شاشة الكمبيوتر، تعرفت على بعض الكلمات العشوائية فى المستند المفتوح.. دق قلبى على غير العادة.. ضغطت على زر الإجابة.. جاء الصوت ناعما وجميلا..
ـ صباح الفل
هناك بهجة تتقافز من نبرات صوتها.. بهجة تدعو إلى الرقص.. ابتلعت ريقي.. رددت بصوت حاولت أن يبدو طبيعيا..
ـ صباح الفل
طلع صوتى بنبرة منخفضة، تقترب من الهمس..
تواصل رنين عال فى أذني..
ـ هه.. أما زلت نائما؟
ـ أبدا.. أنا صاحى من فترة
ـ امم.. طيب
ـ طيب
ـ طيب ماذا؟
تلاشى الرنين من أذنى تماما.. عاد الصمت يعم المكان.. رغم أن قلبى مازال يدق.. دقاته تبث الرجفة فى جسدي.. خوف من شيء غامض.. خوف من لا شيء محدد..
ضحكت ثم قالت:
ـ أفكرك بميعاد الغد
ـ طبعا
ـ الساعة السابعة
ـ تمام
عادت حنفية المطبخ إلى التنقيط.. هناك مسافة متباعدة بين كل نقطة وأخرى.. من اصطدامها بالحوض خمنت أنها نقطة ماء كبيرة..
ـ مالك؟
ـ أبدا
ـ تعبان؟
ـ لا
ـ مكتئب؟
ـ لا
ـ صوتك به شيء ما..
سألت نفسي: لماذا لم يظهر الاسم أو الرقم على الشاشة؟ هل العيب فى جهاز تليفونى أم فى شبكات الشركة؟ دائما يظهر الاسم أو الرقم.. هذه أول مرة يحدث معى ذلك.. لابد من وجود سبب، كل شيء فى الدنيا له سبب.. قررت أن اسأل بعض الأصدقاء، ربما أجد عند احدهم تفسيرا لما حدث..
ـ طيب.. إذن.. غدا فى السابعة؟
ـ طيب
أحسست بحبة عرق تنزلق من تحت ثديي، فى المنتصف تماما.. كانت تحك فى جلدى وهى تنحدر، فيقشعر جسدي.. فكرت أن امسحها بقميصي، لكنى لم أحرك يدي.. قلبى يواصل الدق.. يعود الرنين إلى أذني.. خافتا هذه المرة.. تابعت انزلاق حبة العرق، حتى اختفت فى منطقة السرة، ولم اعد اشعر بها..
أتى صوتها رائقا وسعيدا كالعادة
ـ قلت فى نفسى أفكرك بالميعاد
لا اعرف لماذا تخيلتها وقد انتهت لتوها من حمام دافئ.. تتجول فى الشاقة وهى ترتدى بيجامة زرقاء، عليها رسوم دباديب صغيرة.. تمسك فى يدها بكوب نسكافيه باللبن.. كانت رائحته شهية وبخار قليل يتصاعد منه..
ـ لا تنسى؟
ـ إن شاء الله
"سوف اعمل لنفسى كوبا من النسكافيه باللبن" قلت ذلك لنفسي.. كررت الجملة عدة مرات حتى لا انسى كعادتي.. تتصاعد دقات قلبى أكثر.. طبل صغير يسكن بين ضلوعي.. نبتت حبة عرق أخرى تابعت مسيرة سابقتها.. لماذا لم يظهر الاسم أو الرقم؟.. هل تتكلم من تليفون آخر؟.. حتى لو حدث ذلك كان لابد من ظهور اسم.. أو حتى رقم.. أى رقم..
ـ مع السلامة
ـ مع السلامة
تسارعت قطرات حنفية المطبخ.. مع تسارع دقت قلبي، صانعين لحنا متوترا، يصاحبه رنين تليفون يتواصل فى أذنى بلا توقف.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة