فيما اعتبر تحديا جديدا لحكومة رئيس الوزراء اليابانى ناوتو كان، التى تدخل مرحلة حاسمة للتوقيع على حزمة المحفزات الاقتصادية من قبل البرلمان، اضطر وزير العدل اليابانى مينورو ياناجيدا إلى الاستقالة من منصبه صباح يوم ٢٢ نوفمبر كاستجابة للضغوط المطالبة بذلك، وهى الضغوط التى تصاعدت بعد تصريحاته التى ألقى بها يوم 14 نوفمبر الجارى، والتى قال فيها إنه كوزير للعدل لا يحتاج فى رده على تساؤلات البرلمان إلا تذكر تعليقين فقط، وهما: أن "هناك نقاطا محددة لا أرد عليها"، و"أننا نتعامل مع الحدث بشكل ملائم بناء على القوانين والأدلة"، وقد وجهت لتلك التصريحات العديد من الانتقادات لاتسامها بخفة غير مفترضة، فيما يتعلق بمسئولية الوزير أمام البرلمان وهو ما أثار انتقادات صانعى القوانين بشدة، مطالبين باستقالة الوزير ومحاسبته على تلك الإساءة.
وعلى الرغم من أن الاستقالة لا تهدد حكومة "كان" بشكل مباشر، كما أنها لا تهدد الموافقة على الخطة الاقتصادية فى ظل تمتع الحزب الديمقراطى الحاكم بأغلبية فى مجلس النواب "المجلس الأدنى" صاحب التأثير الأكبر، إلا أنها تؤثر على الرأى العام وشعبية رئيس الوزراء التى تشهد انخفاضا ملحوظا يشجع المعارضة السياسية وخاصة الحزب الليبرالى الديمقراطى، كونه المعارض الرئيسى للحزب الديمقراطى الحاكم، وتتعدد الأسباب وراء تراجع الشعبية ما بين البعد الاقتصادى من جانب، والسياسة الخارجية من جانب آخر.
فعلى صعيد السياسة الداخلية، ووفقا لما أكده ميكيتاكا ماسوياما، المتخصص فى النظام السياسى اليابانى بالمعهد القومى للدراسات السياسية، فإن الحدث لا يعد عاملا إيجابيا لحكومة "كان" التى تعانى العديد من المشاكل الداخلية، ولذلك وعلى الرغم من تمتع "كان" نظريا بخيار الإبقاء على الوزير، وترك الأمور لتطورها الطبيعى بما فى ذلك قيام المعارضة بتقديم اقتراح لمحاسبة الوزير فى المجلس الاستشارى "المجلس الاعلى فى البرلمان"، فإن رغبته فى مواجهة الانخفاض فى شعبيته وعدم رغبته فى تأجيل إقرار الحزمة الاقتصادية كانت العامل الأساسى وراء قرار استقالة الوزير.
فالاستقالة تحمل معنى رمزيا، كونها تؤكد على قدرة "كان" القيادية أمام الرأى العام، مع الأمل فى أن تساعد أغلبيته فى المجلس الأدنى على تمرير الحزمة الاقتصادية دون أن تعوقها إجراءات محاسبة الوزير فى المجلس الأعلى، ولكن وعلى الرغم من هذا التحرك، يرى "ماسوياما" أن "كان" غير قادر على استعادة التأييد الشعبى، لأنه فى موقف حرج على أكثر من صعيد، وأن تطورات الأوضاع تبقى رهنا بتحرك معسكر المعارضة وخاصة الحزب الليبرالى الديمقراطى وقدرته على البقاء على جبهة موحدة فى مواجهة الحزب الديمقراطى.
من جانب آخر، وبعيدا عن الأزمة الاقتصادية وما تسببه من تراجع فى الشعبية، فإن تلك التطورات تحدث فى ظل الانتقادات الموجهة للحكومة لتعاملها الدبلوماسى "الضعيف" فى مواجهة الصين وروسيا فى ظل التوتر الذى شهدته العلاقات مع الصين فى أعقاب حادث سفينة الصيد الصينية الذى وقع فى سبتمبر الماضى، عندما قامت قوات حرس السواحل اليابانية بإلقاء القبض على السفينة الصينية وبحاراتها وقبطانها بعد تعمدها الاصطدام بقارب خفر السواحل وفقا للرواية اليابانية. وكذلك فى مواجهة روسيا التى قام رئيسها ديميترى ميدفيديف بزيارة إلى جزيرة كوناشير إحدى جزر الكوريل محل النزاع بين الدولتين فى ظل انتقادات يابانية شديدة.
وكما جرت العادة اليابانية، أعرب وزير العدل المستقيل فى المؤتمر الصحفى الذى أعلن فيه استقالته عن أسفه لإطلاق تلك التعليقات غير المناسبة وضرورة تحمله للمسئولية عنها، كما أن الاستقالة جاءت بعد لقاء الوزير برئيس الحكومة الذى عبر عن قلقه لتأخر الموافقة على حزمة المحفزات الاقتصادية التى تسعى الحكومة لتمريرها للتعامل مع المشكلات الاقتصادية القائمة وما تحتاجه من دعم شعبى وحزبى خاصة مع إعلان الحزب الليبرالى الديمقراطى المعارض عن مقاطعته لمناقشات المجلس المتعلقة بحزمة الحوافز الاقتصادية إذا لم يستقل الوزير.
وبهذا جاء تحرك ياناجيدا متماشيا مع الوضع اليابانى ككل، فاستقالة المسئول السياسى لا تعد تحركا جديدا على النظام السياسى اليابانى الذى يشهد استقالات من كافة المناصب بما فيها رؤساء الوزراء لأسباب متعددة أبرزها تحمل المسئولية عن خطأ مباشر أو غير مباشر يخص المسئول، كما أنها تتماشى مع فكرة حماية الجماعة ممثلة فى عدم تحميل الحزب الحاكم فى تلك الحالة مسئولية خطأ الوزير.
وعلى الرغم مما يعبر عنه هذا السلوك من بعد إيجابى متمثل فى المحاسبة وتحمل الخطأ والتفكير فى مصلحة الجماعة، فإنه يطرح من جانب آخر تساؤلات مستمرة حول مدى الاستقرار السياسى فى اليابان، كما يطرح من قبل بعض الأطراف الخارجية تساؤلات حول الاستمرارية والقدرة على رسم علاقات خارجية ممتدة فى ظل التغير المتكرر.
وأن كانت تلك التساؤلات طرحت خلال تولى حزب واحد للسلطة لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بشكل شبه مستمر حتى عام 2009، فإن احتمالية ترسخ نظام الحزبين المسيطرين أو دخول أحزاب أخرى للمشهد السياسى من شأنها تعميق تلك التساؤلات خاصة فى النقاط التى تختلف فيها سياسات الأحزاب بشكل واضح وهى القضايا التى مازالت محل تساؤل وسيكون من الضرورى متابعة تطورات الأحداث لإدراك ما يمكن أن تؤدى إليه.
تراجع شعبية رئيس الوزراء لضعف موقفه أمام الصين وروسيا..
الاستقالات تعصف بالحكومة اليابانية استجابة للشعب
الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010 08:19 م
ناوتو كان رئيس الوزراء اليابانى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة