يبدو أن حال بعض مهرجاناتنا العربية سيظل كما هو محلك سر، طالما كل شىء فيها يخضع للأهواء ولحكم شخص واحد يجامل من يجامل، ويحابى من يرغب أو من يراهم مقربين إلى قلبه، أو يختار لجنة تحكيم تكون على هواه ويضمن من خلالها توزيع الجوائز بما يرضيه؟ هذا هو ملخص المشهد العبثى الذى شهدته أروقة الدورة الـ18 من مهرجان دمشق السينمائى الدولى والتى انتهت فاعلياتها مؤخرا، عندما أصر رئيس لجنة التحكيم الروسى المخرج فلاديمير مينشوف على منح الجائزة البرونزية إلى الفيلم السورى "مطر ايلول ".
ويبدو أن المخرج الروسى أصر بشدة على منح الجائزة إكراما للبلد المضيف صاحب المهرجان والذى بالتأكيد أكرمه واستقبله بحفاوة شديدة متغاضيا عن المعايير الفنية التى يجب أن تكون هى الفيصل وليس المجاملات ورغم اعتراض عدد من أعضاء اللجنة التسعة ومن بينهم المخرج السورى نجدت أنزور والذى كان يجد أن الفيلم لا يستحق، ونفس الحال بالنسبة للمخرجة المصرية ساندرا نشأت والتى وجدت نفسها فى موقف لا تحسد عليه، نظرا لحالة الصمت التى انتابت باقى أعضاء اللجنة، رغم كل ذلك كانت عجرفة المخرج الروسى وتعنته كفيلان بأن يقوم المعترضون بإصدار بيان ضد ممارسة رئيس لجنة التحكيم غير المفهومة، ولم تكتف ساندرا ونجدت بذلك بل أعلنا انسحابهما من عضوية اللجنة، ورغم كل هذه التطورات وتجاوزات رئيس اللجنة إلا أن رئيس المهرجان لم يتدخل وترك الأمر برمته لمزاج رئيس لجنة التحكيم وهو ما أدى إلى تفاقم الأمور وجاء المشهد الأخير للمهرجان غير مرضٍ لأحد على الإطلاق، ويبدو أن رئيس اللجنة يتولى مهمته للمرة الأولى لأنه معروف ضمنيا أن كل المهرجانات تشهد حالة من المواءمات فى توزيع الجوائز وهذا لا يخفى على أحد حتى المهرجانات الكبرى أحيانا ما تتحكم السياسة وعلاقات دول ببعضها البعض فى الشكل النهائى الذى تخرج عليه الجوائز وتتوقف المسألة على حرفية رئيس لجنة التحكيم فى إدارة هذه المسألة ودائما ما يكون هناك حد أدنى من المعايير الفنية.
فهل الأمور فى دورة مهرجان دمشق المنصرمة خرجت من سيطرة رئيس اللجنة أم يعود إصراره على منح الفيلم السورى جائزة، لأن هناك من أفهمهه وأملى عليه أن هذه هى عادة المهرجانات العربية وأن كل شىء فيها يخضع لأهواء منظميها وأن عليه أن يكون كريما لأقصى درجة مع إنتاجات البلد المضيف؟ للأسف هذا ما باتت تشهده مهرجاناتنا العربية، ولكن يبدو أن مهرجان دمشق السينمائى الدولى بات يشهد الكثير من هذه الأزمات ولن ينسى أحد منا ما حدث مع الفيلم المصرى خلطة فوزية فى العام قبل الماضى عندما تردد أن رئيس لجنة تحكيم الأفلام العربية فى وقتها الفنان دريد لحام رفض منح الفيلم جائزة، ووقتها حدثت مشادات وتردد أن هناك موقفا من الفن المصرى والسينما المصرية، ورغم نفى النجم الكبير دريد لحام لهذ الكلام أو لاتخاذه مثل هذا الموقف؟ لكن لا يستطيع أحد أن ينكر حجم الكوارث التى تشهدها بعض المهرجانات العربية فى إملاء النتائج لأفلام وإنتاج بعينه، والمدهش أننا دائما ما نتساءل عن تراجع الفن وقيمة الفنون عندنا؟ ويبدو أن الإجابة تتلخص فى مقولة السيد أحمد عبد الجواد "بضاعة أتلفها الهوى" لتصبح مهرجانات أتلفها الهوى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة