لم أكن أتخيل أن اختبار الأذن الموسيقية بهذه السهولة، حينها مسحت أمى على شعرى بفخر، وأرجعت ذلك لموهبتى.
مر مدرس الموسيقى الجديد على فصول المدرسة، طالبا من الأولاد أصحاب الأذن الموسيقية التوجه لحجرته، لم أكن أتصور بالضبط ما هى الأذن الموسيقية، وكيف سنختبرها، لكننى رفعت يدى، وسجلت اسمى، وكنت أعتقد أنه سيطلب منى – على أقل تقدير- أداء أغنية معينة، وظللت طوال الوقت أردد بداخلى لحن وكلمات أغنية عماد عبد الحليم
"ليه ليه... حظى معاكى يا دنيا كده"
حتى إذا ترك لى الاختيار، أبهره بأدائى..
دخلت لأفاجأ بأن الأمر مجرد بضع نقرات على سطح الكرسى الذى يفصل بينى وبين أستاذ الموسيقى، وباستطاعتى تكرار نفس النقرات مع اختلافها وصعوبتها فى كل مره، أكون قد نجحت ونلت الشرف، الذى ظل فصل 5/4 يفخر به..
بت أحلم بعصايتى الطبلة بين يدى، وأنا أقود طابور الصباح على إيقاع:
"تن .. ترتن .. ترتن"
أبى يقول إن إيقاع الطابور سيكون فى يدى، لذا يجب ألا أسرع، وفى نفس الوقت لا أبطئ، الأمر الوسط.. ظللت أتمرن مع أبى على هذا الوسط فوق سطح الطبلية..
فى اليوم السابق لأول طابور أقوده، كنت جالسا مع رفاقى نتفاخر بأن ولد من خمسة هو الذى سيقود الطابور، وظللنا نتخيل موقف "سنه ساته"، ونضحك، حتى طلبنى مدرس الموسيقى، وأبلغنى أن ولد من الصف السادس سيكون على الطبلة الرئيسية أما أنا سأكون على الطبلة الكبيرة التى ترد:
"بُم"
وظل يردد أن اللحن سيكون هكذا:
"الولد: تن.. ترتن.. ترتن"
"أنت: بُم"
تقبلت الأمر، واعتبرت أنه تمرين، وفى نفس الوقت أحجز مكانى على الطبلة الرئيسية للعام القادم..
"يابنى دى زى الداهية.. تقطع نفسك"
تقولها أمى، ليرد أبى بحماس:
"ياستى لأ.. فى واحد بيبقى واقف زى البأف، معلقها فى رقبته بحزام، وابنك بس هيضرب عليها"
فى الصباح، وقبل موعدى المعتاد كانت ملابسى مهندمة، شعرى مصفف بعناية..
الطابور انتظم، من جانب ناظر المدرسة تبدو الدنيا مهيبة.. يأتى العامل حاملا الطبلتين، أتقدم تجاهه لاستلام طبلتى، يصر أن يعلقها فى رقبتى، مدرس الموسيقى بجانبى، يهمس فى أذنى مرتجفًا:
"هتشيل الطبلة لزميلك، والسنة الجاية أوعدك إنك هتطبل عليها"
تتغرغر عيناى بالدموع.. بكل هدوء أجاهد حتى أعود لمكانى بالطابور، وسط أصحاب الآذان الغير موسيقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة