الشهر الماضى ترددت أنباء قوية عن عزم الرئيس الفلسطينى محمود عباس التقدم باستقالته من رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، عقب تعثر مفاوضات السلام، فى ظل رفض إسرائيل تجديد الاستيطان، وحسب ما تردد فإن عباس رأى أنه لم يعد لديه ما يقدمه، لذلك يفضل الرحيل، لكن الخبر الذى كان قريبا جدا من الصحة نفاه مقربون من عباس.
وفى ضوء أن تسريب الخبر جاء من دوائر قريبة جدا من الرئيس الفلسطينى أعتقد أنه فكر جديا فى الاستقالة، لأنه لا يمتلك أية خيارات ذات جدوى، أو يمكنها تحريك الأوضاع المتدهورة فى الأراضى الفلسطينية، وأعتقد أن عباس أصبح ظهره إلى الحائط، أما وجه فهو إلى الفراغ، وليس ناحية أى شىء ملموس على الإطلاق.
وإذا تأملنا الخيارات الفلسطينية نجد أنه لا يمكن لأى رئيس فلسطينى العودة للتفاوض فى ظل استمرار الاستيطان، لأن ذلك يعنى ابتلاع مزيد من الأراضى الفلسطينية، وبالتالى يكون التفاوض مضيعة للوقت، ويتيح الفرصة لإسرائيل لأخذ المزيد من الأراضى الفلسطينية.
أما رفض العودة للمفاوضات فهو يعنى أيضا استمرار الاستيطان على مصراعيه، لاستكمال تهويد ما تبقى من القدس والضفة الغربية، وهو ما يعنى مستقبلا ألا يجد الفلسطينيون أمامهم سوى مقترح إسرائيلى سابق بتبادل أراضى الضفة الغربية مع جزء من صحراء النقب لخلق امتداد عمرانى لأى دولى فلسطينية مستقبلا فى غزة، وبعض الضفة، وبعض النقب من دون القدس.
وإذا قررت السلطة الفلسطينية اللجوء لمجلس الأمن للحصول على قرار دولى بإقامة الدولة الفلسطينية فإنها لن تستطيع عبور الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن، وحتى لو حدث ذلك فإنه سيضاف إلى قائمة طويلة من القرارات التى أصدرها مجلس الأمن ولم تنفذها إسرائيل.
وإذا اختار الرئيس عباس إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد فإنها فى الغالب ستكون دولة بلا سيادة، وتعطى إسرائيل شرعية احتلال ما تبقى من الضفة الغربية والقضاء على السلطة الفلسطينية نهائيا.
لا أتمنى أنا أو غيرى أن نكون مكان أبو مازن، فخياراته محدودة وفى غاية الصعوبة، وهو لا يجد حائطا عربيا قويا يستند إليه، أما فى الداخل فوطنه منقسم إلى ثلاثة أقسام، أراض تحت الاحتلال، وسلطة تحت الاحتلال، وغزة تحت سيطرة سلطة معادية له، وهى إمارة منزوعة الدسم والقوة والتأثير.
ويبقى السؤال هل يمكن أن يعلن أبو مازن فشل العملية السلمية ويقرر العودة للمقاومة؟.. ربما يكون هذا ما يريده الشارع العربى، لكن هل الشارع الفلسطينى جاهز لهذه المقاومة، بعد أن قضت إسرئيل على معظم قوة السلطة فى رام الله، وأتت حماس على ما كان لديها فى غزة؟!