عندما تداهمك الأنفلونزا – العادية والحمد لله لا الطيور ولا الخنازير – فتصير محاصرا داخل فراشك.. لا يكون أمامك سوى أوراق الصحف تقلبها مرارا وتكرارا.. وشاشة التليفزيون تشخص فيها بعيون دامعة بفعل الفيروس اللعين، كما "جنجح" المتابع الشهير لجلسات مجلس الشعب فى كاريكاتير العبقرى مصطفى حسين على إيقاع وأفكار المبدع أحمد رجب.. وعندما يطول حصارك، لا تجد لك مخرجا من أى من الطريقين سوى التفكير.. ثم إعادة التفكير فى بعض الأحداث العارضة التى تحيطك.. تكوم الأوراق التى تترك على يديك دائما حبرها الأسود المعروف.. وتضغط بإصبعك على زر الإغلاق فى جهاز التحكم.. وتغمض عينيك مقاوما انهمار الدموع وموجات الصداع المتلاحقة.. وتغرق فى دوامات التفكير فى تلك الأحداث!!.
لا أدرى لماذا اعتبرت بيقين – طوال أيام الأنفلونزا – أن الانتخابات التى يجرى الاستعداد لها الآن حدثا عارضا فى حياة المصريين!!.. فتعاملت معه على أنه عرض أنتظر زواله لتعود الحياة لما كانت عليه.. تختفى اللافتات من الشوارع فتعود صورتها الأولى.. بيوت متربة اختفت خلف الألوان الناصعة لتلك اللافتات طوال الأسابيع الماضية.. وبرامج "توك شو" تعود للصراخ بعد أن أصاب بعضها خرس.. واختفى بعضها الآخر.. ومناضلين عظام عبر برامج الفضائيات وفى الصحف.. وقضايا تافهة لا قيمة لها.. نستنفذ الوقت والجهد فى اللت والعجن حولها.. أنتظر الأيام المتبقية على انتهاء تلك الانتخابات.. حتى نعود لحياتنا المملة كما تعودنا.
شخصية "جنجح" التى ظهرت للوجود فى نهاية الثمانينات من القرن الماضى.. لا يعرفها كثيرون ممن تجاوزوا العشرين عاما الآن.. وهى لمواطن مصرى محدود الدخل والفهم.. بملامح وأذنى حمار.. كنتيجة وحيدة لمتابعة نهمة ومستمرة لجلسات مجلس الشعب التى كان يذيعها التليفزيون المصرى – قبل ظهور الفضائيات الخاصة – لا يفهم شيئا البتة مما يقال تحت قبة سيد قراره.. ولا تعنيه القضايا التى تتم مناقشتها.. ولكنه واقع حتى الثمالة فى هوى أعضاء المجلس الموقرين.. وفخامة القاعة المؤثثة بأثاث عتيق.. والجمل الأثيرة الشهيرة المتكررة فى تلك الجلسات: "الموافق يتفضل برفع يده".. "موافقة.. ننتقل لجدول الأعمال".. جنجح – بحسب السلسلة الشهيرة – لا يكترث للسينما أو الدراما أو الموسيقى.. متعته كلها فى متابعة تلك الجلسات.. تألق فى بداية التسعينات كبطل شهير لكاريكاتير المبدعين مصطفى حسين وأحمد رجب.. ثم بدأ نجمه فى الأفول فى نهاية التسعينات.. حتى مات موتا "إكلينيكيا" مع برلمان 2005..!!.
ومع بداية التحرك للانتخابات القادمة بعد أيام.. يبدو أن عموم المصريين البسطاء فى مدن وقرى مصر المحروسة، قد أصابهم فيروس "جنجح"!!. فتجدهم يجلسون فى المؤتمرات الانتخابية أمام المرشحين لعضوية المجلس الموقر، فاغرين أفواههم.. لا يتكلمون.. تحولوا إلى آذان كبيرة تستمع لوعود يعلمون فى داخلهم أنها كلاما فى الليل مدهونا بالزبد.. لن يجدوه عندما يطلع عليهم الصباح!!..
يخرجون من تلك المؤتمرات ليعودوا إلى منازلهم.. ينتظرون أن تنتهى تلك الأيام ليعودون إلى حياتهم المملة التى اعتادوها واعتادتهم.. وربما يفكرون فى مشاهدة من سيعبر من أولئك المرشحين، إلى تحت قبة سيد قراره.. فى الجلسات التى سيبثها التليفزيون المصرى فى الدورة البرلمانية القادمة.. كما اعتاد منذ ما يقرب من 30 عاما!!.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة