فى الدور التاسع من مبنى وزارة الكهرباء بالعباسية تقع هيئة المحطات النووية، التى بدأت العمل بالبرنامج النووى المصرى منذ أكثر من 50 عاماً.
فى الدور التاسع جوقة من العلماء الأجلاء، عقول تعمل وعيون لا تنام من أجل حلم عاشوا وماتوا من أجله، فإذا سألتهم عنه بحماس يقولون "عاوزين نبنى الضبعة زى ما بنينا السد العالى"، وبنفس الحماس يسردون لك بحزن كيف تأجل مشروع حياتهم النووى أربع مرات عانوا خلالها البطالة المقنعة، فسافروا وهاجروا هروباً من حلم لا يتحقق، بحثوا عن وطن بديل فلم يجدوا فعادوا ليطبقوا ما تعلموه فى الخارج لبرنامجنا النووى وأملنا وأملهم.
إذا دخلت إلى مكاتبهم ستجدهم يتناولون "كركديه بالقرفة" يطلقون عليه المشروب القومى ويخطئون أحياناً فيقولون المشروع القومى من فرط استخدامهم للكلمة.
فى مكتب العالم الكبير إبراهيم العسيرى مستشار البرنامج النووى المصرى تعرفت عن قرب على سمة العلماء وتواضع الكبار غير المصطنع، هو تواضع برائحة الحب والوقار، إذا جلست إليه سيحكى لك كيف كان يحن "لأكلة الأرز" كل أسبوع فى بيته بعد أسبوع كامل من العمل فى مكتبه فى الثمانينات، وكيف هرب من مصر خائباً حزيناً بعد توقف المشروع، فأرسل للوكالة الدولية للطاقة الذرية طلباً باستدعائه.
ويحكى لك أيضاً كيف يتقاضى 2500 جنيه هم إجمالى راتبه فى مصر ويتمتم، ويقول "يلا حسن الختام عاوزين نعملكم حاجة يا بنتى".
أسفل مكتبه تلمح "شبشباً" يرتديه بعد أن تتعب قدميه من ساعات العمل الطويلة بالهيئة، وستراه منهكاً منتفخ العينيين دون كلل أو ملل.
سيشكو لك كيف يتجاهلهم الرأى العام ولا يشعر بهم، بل ويخشى من المحطة النووية ويفر منها فرار الأسد من المجزوم.
إذا خرجت من مكتبه يصادفك مكتبه شقيقه المهندس "مصطفى" مدير المشروعات بالهيئة لتدرك إنهم عائلة وهبت حياتها للنووى.
أما إذا واصلت المسير ستقابل رجلاً طويلاً قوى البنية رمادى العينين، فاعلم أنه الدكتور ياسين إبراهيم رئيس الهيئة، الذى يعمل بعزم شاب عشرينى وبقوة رجل صعيدى، ويقول لك مداعباً "خد بالك أنا صعيدى ودماغى ناشفة وهنبنى الضبعة يعنى هنبنيها".
رجال صدقوا ما عاهدوا الوطن عليه، رجال لهم منا كل الشكر ولنا منهم كل الحب والعطاء وأكثر.
سارة علام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة