يتردد على ألسنة العامة فى مصر والعالم العربى المثل القائل:
(كـُتر السلام يقل المعرفة)، وهذا القول خاطئ ويناقض نصًا قرآنيًا صريحًا، قال تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شىء حسيبًا) - 86 النساء.
إن التحية فى أى مجتمع علاقة من العلاقات التى تدور بها عجلة الحياة فى يسر وسهولة، خاصة إذا كانت مصحوبة بالأدب الواجب فيها، ولا نعنى بذلك إلقاء السلام بطريقة توحى بالسخرية أو الإيذاء بل أن تكون تحية مؤدبة توحى بالتهذيب، بغرض تطبيق هذا الأمر الإلهى، يقول المفسرون فى تفسير هذه الآية الكريمة: (إن الإسلام جاء بتحيته الخاصة التى تميز المجتمع المسلم عن غيره من المجتمعات، وتجعل كل سمة فيه حتى السمات اليومية العادية متفردة متميزة، لا تذوب ولا تضيع فى سمات المجتمعات الأخرى ومعالمها).
وقد جعل الإسلام تحيته الفريدة: السلام عليكم ورحمة الله، وأوجب الرد على هذه التحية الجميلة بأن يكون بأحسن منها بالزيادة عليها، كى تشيع المحبة ويزداد الود فى المجتمع، وهو ما يحرص المنهج الإسلامى على أن يرسخه فى نفوس معتنقيه، وليس أحسن ولا أمثل من الرد على التحية بأحسن منها طريقة لتوثيق علاقات المودة والتقارب بين أفراد المجتمع على اختلاف انتماءاتهم، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أى العمل خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أفشوا السلام بينكم)، أى أن إفشاء السلام بين الجماعة المسلمة ابتداء هو سنة، أما الرد على السلام أو التحية بأحسن منهما فهو فريضة بموجب هذه الآية الكريمة، واتباع هذا الأمر الإلهى كفريضة وجعله تقليدًا متبعًا بين كل أفراد المجتمع سيظهر أثره واضحا فى إصفاء القلوب، ونتيجة طيبة محمودة فى تعارف غير المتعارفين وتوثيق الصلة بين المتصلين، وهى ظاهرة يدركها كل من يلاحظ آثار مثل هذا التقليد البديع فى تقارب البشر فى مختلف المجتمعات لما له من نتائج عجيبة على تذويب الضغائن والتشاحن والتباغض بين الناس، ومن أتيحت له الفرصة فى العيش فى أى مجتمع أوروبى أو أمريكى أو كندى سيلاحظ أن كثيرًا من الناس فى الشارع أو فى المحال التجارية سيجد المرء من يبتسم له ويبش فى وجهه، والساكن الجديد فى أى بناء سكنى يجد من يحييه ويسلم عليه بتحية أو حتى بابتسامة إذا تصادف صعوده أو نزوله مع أحد من السكان الآخرين، بينما لا نجد هذا التقليد متبعًا فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية للأسف، مع أنه فريضة واجبة، وسنة مؤكدة، وربما يظن البعض فيمن يبتسم مجرد الابتسام لمن لا يعرف الظنون أنه مجنون أو (عنده شعرة) فكيف إذا تجرأ وسلم على أحد فى الشارع لا يعرفه! لا نقول فى المصعد فالحمد لله هناك الكثير ممن يضمهم مصعد واحد يحيِّون بعضهم وإن كانت تحية مقتضبة، ولمن يريد التأكد من غياب هذه الظاهرة الحميدة؛ فلينزل إلى الشارع وليحاول أن يسلم أو يحيى شخصًا لا يعرفه، ستكون النتيجة للأسف الشديد كما حدث معى نظرة مستغربة ممزوجة بالدهشة على من قام بإلقاء السلام.
وبالطبع نحن نقصد بهذا السلام أن يكون بغرض السلام المؤدب، كما أمرنا الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لا بغرض المعاكسة أو الإيذاء، فلنعد إلى تطبيق هذه الآية وليكن شعارنا خاصة فى مجتمعاتنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفشوا السلام بينكم)، بالتحية وردها بأحسن منها، كى تتعمق أواصر المحبة بين الناس وتتزين وجوههم بالبشر والمودة والصفاء، ولن تقل المعرفة أبدًا بكثرة السلام، بل ستتعمق وتزداد حبًا وتواصلا وغنى، والله من وراء القصد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة