صدر عن منظمة الأمم المتحدة، للتربية والعلوم والثقافة " اليونيسكو" التقرير الهندسى الأول بعنوان " الهندسة.. قضايا وتحديات وفرص التنمية " والذى يركز على خطورة نقص المهندسين على عمليات التنمية فى جميع أنحاء العالم.
ويسلط التقرير الضوء على حاجة العالم للحلول الهندسية الإبداعية بهدف التصدى لأكبر التحديات التى يواجهها، بدءاً بالفقر، وانتهاءً بتغير المناخ.
ويشير التقرير إلى أن كثيرًا من البلدان تشهد تراجعاً فى عدد الشباب الملتحقين بكليات الهندسة، وبخاصة الفتيات منهم، مما يهدد مستقبل الإمكانات المتصلة بالهندسة، لا سيما فى البلدان النامية التى تواجه مشكلة إضافية تتمثل فى هجرة الكفاءات.
ويقوم هذا التقرير على مساهمات قدّمها أكثر من 120 خبيراً من شتى أنحاء العالم، وأُعد ليكون منبراً يتيح تحسين فهم الهندسة التى تمثل مجالاً استثنائياً بتنوعه وتوسع انتشاره، ومجالاً أدى دوراً مركزياً فى التقدّم التقنى الذى شهدته الإنسانية منذ اختراع العجلة.
وفى مقدمة التقرير، كتبت المديرة العامة لليونيسكو، إيرينا بوكوفا: أفضت الهندسة والتكنولوجيا فى السنوات المائة والخمسين الأخيرة على وجه التحديد إلى تغيير وجه العالم الذى نعيش فيه، لكن ذلك لم يمنع معاناة توفير المياه المأمونة لثلاثة بلايين شخص إلى المياه المأمونة، كما يعيش حوالى بليونى شخص من دون كهرباء.
وأضافت: فى وقت يقترب فيه عام 2015، أى الموعد الذى تم تحديده لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة، من الضرورى أن نستفيد من كل ما تقدمه الهندسة من إمكانات لإحداث تغيير فى البلدان النامية".
وتفيد تقديرات التقرير بأن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحدها ستحتاج إلى نحو 2,5 مليون مهندس وأخصائى تقنى جديد إذا ما أرادت المنطقة تحقيق الهدف الإنمائى للألفية المتمثل فى تحسين الانتفاع بالمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحى.
وفى المقابل، يتوقع الخبراء أن حجم التجارة العالمية بالحلول المرتبطة بتغير المناخ، مثل المنتجات التى تصدر القليل من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون ونظم الطاقة المتجددة، سيصل بسرعة إلى تريليون دولار أمريكى وسيواصل ارتفاعه.
ويشرح محرر التقرير، تونى مارجورام، أن "تراجع عدد الطلبة الملتحقين بكليات الهندسة نجم على الأرجح عن تصور مفاده أن هذا المجال مضجر ويتطلب جهوداً شاقةً، وأن المهندسين لا يتقاضون أجراً يتناسب مع المسئوليات الملقاة على عاتقهم، فضلاً عن أن الهندسة تضر بالبيئة وقد ينظر إليها البعض على أنها جزء من المشكلة، لا جزء من الحل".
ويشير التقرير أيضاً إلى ضرورة تحسين فهم الهندسة والطريقة التى تدفع بها عجلة التنمية، وذلك على مستوى الجمهور العام وعلى مستوى السياسات. ويُعتبر هذا الأمر حاسماً بوجه خاص فى أعقاب الأزمة المالية العالمية.
ويشدد التقرير فى هذا الصدد على أهمية الاستثمار فى البنى الأساسية والابتكار فى فترات التراجع الاقتصادى.
ويقدّم التقرير عدداً من الاقتراحات فى هذا السياق؛ فهو يشير على سبيل المثال، إلى ضرورة إعداد مناهج جديدة فى التعليم والتدريب، لا سيما التعليم القائم على التجارب العلمية والموجه نحو حل المشاكل، بما يعكس طبيعة الهندسة التى تقوم بالتحديد على تسوية المشاكل، ويتمثل أحد المجالات البارزة الأخرى لتحقيق النمو فى الهندسة المستدامة أو الهندسة غير المضرة بالبيئة.
ويقول مارجورام إنه ينبغى تعزيز الهندسة بوصفها مجالاً قادراً على تقديم الحلول للمشاكل المعاصرة، مضيفاً أنه يتعين تعزيز ما يتصل بالهندسة من مسئوليات اجتماعية وأنه يجب ربط هذا المجال بالقضايا الأخلاقية المتعلقة بالتنمية". ويتابع مارجورام قائلاً إن "هذا الأمر قد يساعد أيضاً على استقطاب الشباب".
ويشدد التقرير، كذلك، على الحاجة الملحة إلى تحسين الإحصاءات والمؤشرات المرتبطة بالهندسة، وعلى سبيل المثال، يتعذر فى الوقت الحالى مقارنة أعداد المهندسين أو التخصصات الهندسية للفرد فى مختلف دول العالم لأن هذا النوع من البيانات يجمع ما بين العلميين والمهندسين على المستوى الدولى.. ويعتبر الخبراء أن تحسين المؤشرات سيؤدى بدوره إلى تحسين المعلومات المتاحة لراسمى السياسات والمخططين.
إلى جانب ذلك، يحدد التقرير أكثر من 50 مجالاً فى ميدان الهندسة ويعطى لمحة عالمية عن هذا المجال، ويقدّم آفاقاً خاصة بمختلف المناطق والبلدان.
ويركز التقرير على إسهامات الهندسة فى التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية المستدامة ويناقش جملة قضايا وتطبيقات، ويتطرق إلى مواضيع الابتكار والبنى الأساسية وبناء القدرات والتعليم من خلال دراسات حالات وأمثلة على الممارسات الجيدة.
وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن تقرير اليونيسكو الأول عن الهندسة نتج عن المناقشات غير الرسمية التى أُجريت عام 2005 مع أعضاء الاتحاد العالمى للمنظمات الهندسية، والمجلس الدولى لأكاديميات العلوم الهندسية والتكنولوجية، والاتحاد الدولى للمهندسين الاستشاريين، ومنظمة مهندسون بلا حدود، ومع عدد من المنظمات الهندسية المهنية وغير الحكومية.