تدريب الأهلى المصرى غير التدريب فى أى مكان فى العالم، فإذا أصبحت مدرباً للأهلى، فأنت محظوظ جداً وينتظرك مستقبلاً باهراً تمتلئ فيه سيرتك الذاتية بكثير من الإنجازات، ويتم اعتمادك مدرباً كبيراً، وربما عالمياً عندما تتجاوز إنجازاتك حدود المحلية إلى القارية والعالمية بألقاب تحرزها أفريقيا وتشارك بها فى كأس العالم للأندية.
هناك طبيعة خاصة للأهلى فى مصر.. ولا يمكن لأحد أن ينكر حجم النفوذ الذى يملكه الأهلى فى بلده وحجم التأثير ومدى ما يحظى به من مساندة غير عادية من الإعلام والجمهور، ومدى سيطرته على مقدرات اللعبة حتى بات المحرك الأساسى لها، وصانع قراراتها، حتى يبدو لنا منفصلاً عن منظومتها، وقادراً فى كل وقت على النفاذ من قوانينها ولوائحها، مترجماً شعاره المحبب والواقعى.. "الأهلى فوق الجميع".
وعندما تولى "مانويل جوزيه" مهمة التدريب فيه فى تجربته الثانية كان يكفيه فقط قوة الشخصية لكى ينجح ويحقق ما يريده من إنجازات تملأ سيرته الذاتية التى كانت فارغة وخالية تماماً من أية ألقاب، حتى أننا استغربنا أن يتعاقد الأهلى مع مدرب بلا سيرة ذاتية حقيقية.. لم يكن جوزيه يحتاج أشياء أخرى مساعدة أو أساسية فى تدعيم مسيرته التدريبية فى مصر لأنها موجودة ومتوفرة على الدوام منذ أن تأسس الأهلى.
فلا مجال أن يكون أقوى الأندية المصرية والعربية والأفريقية وأكثرها شعبية، معرضاً للظلم أو مرفوضاً له طلب أو عاجزاً عن جذب وضم ما يشاء من النجوم.. ويبقى له فقط أن يسيطر على الفريق، ويحكم قبضته على اللاعبين ليتحقق له ما يريد، ويصبح من الناحية الفنية صنيعة الأهلى أكثر من كونه صانع أمجاد للأهلى، إلا أن حجم الإنجازات الكبير وغير المسبوق الذى تحقق مع مدرب ذكى اجتماعياً ويمتلك "كاريزما" السيطرة، جعل بعض النقاد، ومنهم أصحاب خبرة، يصفونه بالعبقرى، بينما لو كان عبقرياً بالفعل لجاء للأهلى بسيرة ذاتية "معقولة" أو تولى تدريب منتخب البرتغال بدون مقارنته بالآخرين لأن العبقرية لا مجال لمواجهتها بالمنافسة.
وساعد جوزيه ذكاؤه فى أن يترك الأهلى فى توقيت بدء العد التنازلى لحيوية الفريق، وكان وهو يغادر يعرف أن الأهلى فقط هو المكان الذى يستطيع فيه أن يعيش مطلق الحرية ومطلق السيطرة والآمر الناهى، دون الانشغال بالأمور الأخرى، وعندما اتخذ قرار تدريب فريق اتحاد جدة السعودى لم يكن على دراية بحسابات الأجواء هناك، وظن أن الاتحاد شبيه الأهلى متأثراً بهزيمة أمامه فى كأس العالم، وبسمعة منطقة الخليج فى القدرات المالية والقدرة غير العادية فى شراء ما يشاءونه من لاعبين.
ذهب إلى جدة بنفس أسلوبه الذى مارسه فى القاهرة مع بعض التحفظ فى ردود الفعل على الخطأ لأن خلع الجاكيت وفرد الذراع هناك والتجاوز فى التصريحات لا تقبلها الأجواء السعودية بسهولة، ولا يغمض اتحاد الكرة السعودى عينه، كما كان يغمضها الاتحاد المصرى لأنه يمارس سلطته كرأس هرم كرة القدم هناك، ويحكم قبضته على الأندية.
ولا تتراخى وسائل الإعلام فى المواجهة تحت بند التبعية، لذلك ما أن نطق لأول مرة بكلمات تتضمن إشارات إلى آخرين حتى أدخلوه مباشرة دائرة "التأديب"، لأن ما قاله غير منطقى.. بدليل أن فريقه فاز فى 6 مباريات متتالية، ثم تعادل فى 3، وعندما بدأت نتائجه تتراجع، بدأ معها الحديث عن مجاملة الآخرين من أندية الرياض على حساب أندية جدة والمدن الأخرى، ولو ذلك صحيحاً لما فاز فى المباريات الستة الأولى ، لكنها عادة جوزيه الذى يبحث عن أى سبب لإخفاقه إلا بنفسه، لا يريد أبداً أن يكون ضمن أسباب أى هزيمة أو تعادل غير متوقع.
وإذا كان لم يعرف إلا متأخراً أن خريطة الكرة السعودية غير ما اعتقد فهو خطؤه الذى وقع فيه، وجعله الآن صيداً لاتحاد الكرة السعودى وللصحف التى تلقفته، وأمطرته بسيل من النقد والتهكم وأحياناً السخرية، ربما يكون نادى الهلال فى السعودية مشابها للأهلى فى مصر، إلا أن التشابه ليس متطابقاً لأن الهلال لا يستطيع أن يفعل أى شىء لتظل مجاملته فى نطاق المحتمل، فهو صاحب نفوذ لكن للنفوذ حدود تمنح المنافسين مساحة معقولة فى المنافسة.
وربما تخدم الظروف جوزيه فى أن يحقق مع الاتحاد بطولة، لكن لا يضمن ذلك مثلما كان يضمن فى الأهلى، وإذا حقق البطولة لن يضمن تكرارها، وإذا أراد أن ينقل الاتحاد إلى قارة آسيا لن يستطيع أن يعطل كل شىء فى السعودية، لكى يعسكر ويستعد لمباراة مهمة، كما كان يفعل فى مصر، ولن يجرؤ لحظة أن يخرج بوجهة "المتجهم" لكى يطلب خلع لاعبين من المنتخب السعودى لكى يلعبوا مع فريقه فى مباراة محلية أو أسيوية، ليس هذا وارداً هناك فى السعودية لأن المنتخب عندهم فوق الجميع وممنوع الاقتراب منه، وربما إذا مارس ضجيجاً من الذى كان يثيره فى مصر سوف يرسلونه إلى المطار ومنه إلى بلده.
إذن دخل جوزيه فى حارة سد، ولن يكون أمامه إلى تمنى العودة للأهلى، وإذا أراد سوف يعود على الفور، لأن إدارة الأهلى تنتظر منه مجرد إشارة أو إيماءة منه ليعود إلينا "ويمرمط" فينا بعد أن يطلب فريقاً جديداً لو وفرته الإدارة لحسام البدرى لصعد به إلى القمر.
