«منع المنتقبات من المدن الجامعية والامتحان بالنقاب»، و«إلغاء درجات الرأفة»، و«التهكم على طلاب التيارات السياسية ووصفهم بالبغبغانات»، و«زيادة المصاريف الدراسية»، و«إلغاء الانتساب وإقرار نظام التعليم المفتوح» هذه المعارك الأساسية التى فرغ لها الدكتور هانى هلال وزير التعليم العالى والبحث العلمى وقته وجهده فيها دون أى اهتمام بالبحث العلمى والتعليم.
ففى بداية العام الدراسى الجديد قام هلال بجولات فى جامعات عين شمس والقاهرة وبنها وطنطا وبورسعيد وغيرها، والتقى أعضاء هيئات التدريس والطلاب، ولم يتناول فى لقاءاته أى خطة عن البحث العلمى وتطوير مستوى التعليم، وإنما كان كل تركيزه على «منع المنتقبة من الامتحان بالنقاب، ومنعهن من المدن الجامعية، وإلغاء درجات الرأفة، وتهكمه على طلاب التيارات السياسية الذين يعترضون على منعهم من انتخابات الاتحاد، وأخيراً شتيمته لأساتذة الجامعات على الهواء وفى البرامج التليفزيونية».
ومنذ أن تولى «هلال» وهو لم يقدم خطة حقيقية للنهضة بالتعليم العالى وذلك حسب الخبراء الذين يصفونه بأنه هبط على الوزارة، وهو لا يعرف عنها أى شىء، إذ إنه لم يتول منصب عميد كلية ولا رئيس جامعة، وكان يشغل منصب المستشار الثقافى بفرنسا، واستشارى اليونسكو، فى الوقت الذى لاقت جميع خططه التى استوردها من أوروبا رفض المؤسسات البحثية وأساتذة الجامعات.
فمثلا توسع هلال فى نظام «التعليم المفتوح»، لهدف واحد هو «تحصيل أموال من المصريين»، وطرد طلاب الانتساب الذين أصدر قرارا لهم بإلغاء نظام الانتساب نفسه، ولجأ أيضاً بعد أقل من سنة من توليه الوزارة إلى إصدار قرار من المجلس الأعلى للجامعات فى 2006 بإنشاء برامج متميزة بالفلوس داخل الجامعات بالمخالفة للدستور والقانون والأعراف التى تقضى بعدم التمييز بين الطلاب فى الفرقة الواحدة، وهو القرار الذى لاقى وقتها اعتراضاً من قانونيين وسياسيين ومن بينهم الدكتور فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم بمجلس الشورى.
الدكتور فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم بمجلس الشورى، يؤكد أن المناخ حاليا غير ملائم للبحث العلمى فى مصر، لافتاً إلى أن وزارة التعليم العالى حصلت على عشرات القروض من البنك الدولى والاتحاد الأوروبى، والمؤسسات الدولية، بمئات الملايين وأنفقت جميع الأموال ولم تترك وراءها شيئاً، وضاع معظمها فى المكافآت، ولم تقدم جديداً للبحث العلمى.
وقال إسماعيل إن مرتبات الباحثين فى مصر غير مناسبة ولا تساعد على إحداث نهضة علمية، مشيراً إلى أنه لا توجد خطة من الحكومة لتوفير الموارد المالية اللازمة للبحث العلمى.
الدكتور محمد أبوالغار الأب الروحى لـ«9 مارس» يرى أن أكبر كارثة حدثت للبحث العلمى فى مصر، تسبب فيها الدكتور مفيد شهاب وقت أن كان وزيرا للتعليم، والدكتور هانى هلال الوزير الحالى، حيث يكشف عن أنهما دمرا مشروع الدكتور أحمد زويل العالم المصرى ودفنه «هلال» لأسباب أنانية بحتة، تتعلق بأن هذا المشروع من خصائصه الأساسية أن يكون مستقلا، فإذا تم ضمه إلى إحدى الوزارات فإنه سيفشل، وأنهما الاثنان حاربا المشروع «لأنه مش تبعهم وهذا لا يمكن»، وكان أقصى ما قاموا به، وضع لافتة وافتتاح وحجر أساس أكثر من مرة إلى أن اهتمت قطر بالمشروع واتخذت فيه خطوات تنفيذية كبيرة.
ويشير إلى أن البحث العلمى فى مصر «تحت الصفر» لعدم وجود معدات أو أماكن ملائمة أو كوادر مؤهلة للقيام بهذا البحث، موضحا أن أساس التقدم الاقتصادى هو الاختراعات، وأن مصر إذا أرادت التنمية الاقتصادية فعليها أولا أن تركز على البحث العلمى.
ولفت أبوالغار إلى أنه فى الوقت الذى يتحدث فيه رئيس الجمهورية عن أن المشروع القومى لمصر هو التعليم، ويتبعه فى رأيه رئيس الوزراء والوزراء، تنخفض ميزانية «التعليم العالى والتربية والتعليم» فى مصر فبعد أن كانت 5.6 % من ميزانية الدولة.. نزلت إلى 3.4 %، مؤكدا أن المسؤولية تقع على عاتق الوزير، واعتبر أنه غير مسؤول حيث كان يجب أن يقف فى البرلمان ويقول لا أوافق على الميزانية لأنها ستتسبب فى خراب مصر، ولكن لأنهم تهمهم المناصب لم يجرؤ أحد على فتح فمه، ويعتبر «أبوالغار» أن الحسنة الوحيدة التى قدمها «هلال» خلال خمس سنوات قضاها فى الوزارة، هى أنه شجع النشر العلمى فى المجلات الدولية، عن طريق تغيير قانون الترقيات.
وأشار «أبوالغار» إلى أن الوزير خاض معركتين مهمتين الأولى إقرار قانون الجودة والاعتماد الذى استورده من الخارج، ويتحمل جزءا من ميزانيته البنك الدولى، الذى يفرض رؤيته وتعليماته، وإن كان يضم أشياء جيدة، والمعركة الثانية هى محاولة الالتفاف على حكم المحكمة الإدارية العليا بإخراج الحرس الجامعى من الجامعات.
أما الدكتور عمرو السباخى مقرر لجنة الحريات بجامعة الإسكندرية فيرى أن «هلال» ليس لديه رغبة ولا فكر للارتقاء بالتعليم، وأنه مشغول فقط بزرع الجواسيس داخل الجامعة من خلال الحرس الجامعى وغيرهم، معتبرا أنه يضحك على الرأى العام من خلال ادعاءات إعلامية بمشاريع وهمية.
ولفت السباخى إلى أن وزير التعليم العالى يستعين فى المناصب بالوزارة واختياراته لرؤساء الجامعات من نفس العينة الضعيفة التى لا يوجد لديها علم ولا خبرة، مؤكدا أن الجامعات والبحث العلمى لم يتقدما قيد أنملة منذ أن جاء هلال.
ويتساءل السباخى: «كيف نتوقع تحسن الأحوال فى الجامعة والمشاكل الأساسية لم نقترب منها، والجامعات الإقليمية غير مكتملة، فمثلا جامعة دمنهور المستقلة الجديدة، كلية الهندسة والطب لا يوجد بهما معامل، وأوضاع هيئة التدريس متردية، والكلام عنها مخجل، حيث إن الراتب الأساسى للمدرس يقل عن 200 جنيه، أما الأشياء المتناثرة ليس لها صفة الديمومة ولا تدخل فى المعاش، ويرفض الوزير وجود كادر للأساتذة كما طالبوا، فكيف يعطى الأستاذ وهو جائع وغير آمن وليس لديه معاش يحميه بعد وفاته».
وكشف السباخى عن تباين غير طبيعى فى المرتبات والمصروفات بالجامعات، حيث تبلغ مرتبات بعض الأساتذة نحو 250 ألف جنيه، فى حين لا تزيد مرتبات آخرين على 3 آلاف جنيه، موضحا أن الذين يحصلون على هذه المرتبات الخرافية، يشترط أن يكونوا من المرضى عنهم من الوزارة ورؤساء الجامعات، وتنفق عليهم الأموال بلا حساب، مؤكدا أن هذا الاختلاف الكبير فى المصروفات يخلق داخل قلوب الكثيرين شعورا بالإحباط، بجانب أنه يعطى للناس إحساسا بضرورة البحث عن انتداب أو إعارة أو دروس خصوصية حتى وإن كانوا يرفضونه.
ويشير الدكتور عمرو السباخى إلى مشروع قرض تسدد الدولة ثمنه فيما بعد وتتحمله الأجيال المقبلة حصلت عليه وزارة التعليم العالى بملايين الدولارات هو «تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس»، الذى بدأ منذ نحو 5 سنوات وما زال مستمرا، معتبرا أنه حلقة جديدة من طرق الوزير لإفساد التعليم، حيث تفتق ذهن الوزير وأعوانه فى بحثهم لطريقة لصرف ملايين قرض الاتحاد الأوروبى، عن إجبار أساتذة الجامعات المصرية على ضرورة الحصول على 7 دورات تدريبية مجانية للترقية من معيد إلى أستاذ مساعد، و7 دورات أخرى للترقية إلى أستاذ، واشترط أن يحاضر فى هذه الدورات المحظوظون وعمداء الكليات والأساتذة الذين يدينون له بالولاء والطاعة، حتى وإن كانت المحاضرات فى تخصص غير تخصصهم، وبعد أن انتهى القرض، كان من غير اللائق أمام الأساتذة والمستفيدين أن يتم التوقف، فتم إجبار أى عضو هيئة تدريس يرغب فى الترقية على الحصول على هذه الدورات بمقابل مادى كبير للدورة الواحدة بمبلغ يتراوح بين 300 و400جنيه.
الغريب أن هذه المشروعات التى يطبل لها «هلال» عبارة عن مشروعات تحت مسميات «إعادة هيكلة الجامعات»، ودراسات جدوى، ودورات، ويتم إنفاق أقل القليل منها فى إنشاء معامل، إلى حد أن تكاليف دراسات الجدوى التى تصل فى نهايتها إلى استنتاجات بديهية إلى نحو 200 ألف جنيه.
فى حين يرى الدكتور عبدالله سرور المتحدث باسم اللجنة القومية للدفاع عن الجامعة، أن البحث العلمى فى حال يدعو إلى الرثاء لأنه لا توجد ميزانيات للبحث فى الجامعات، وبالتالى كيف يقوم الباحثون بالأبحاث دون مواد خام وكيماويات وأجهزة، مشيرا إلى أننا نفتقد فى مصر خاصية تكوين فرق العمل الضرورية للتعاون والتكامل البحثى فى العالم.
أخطر خطاياه منذ أن جاء وزيراً .. كوارث «هلال» فى البحث العلمى
الخميس، 18 نوفمبر 2010 07:23 م