ما بين إسبانيا، حيث يلعب الآن مع نادى ريال مدريد، وإنجلترا حيث لعب سابقا مع نادى مانشستر يونايتد، احتل كريستيانو رونالدو نجم كرة القدم البرتغالى ذائع الصيت صدر الصفحات الرياضية بأخباره وصوره.. والغريب أن الأمر لم يتعلق بمستواه العالى وهو يعيش الآن ذروة تألقه منذ ظهر فى ملاعب الكرة.. ولا يتعلق أيضا بأهدافه الرائعة والوفيرة وهو يتصدر الآن قائمة هدافى الدورى الإسبانى.. ولا بحجم نجاحه مع ريال مدريد منذ وصول المدرب البرتغالى جوزيه مورينيو لتدريب الفريق الذى تأهل عمليا إلى الدور التالى فى دورى أبطال أوروبا ويتصدر الدورى المحلى.
الأمر إذن جديد.. وهو يرتبط بجانبين جديدين أحدهما فى الملعب والآخر خارجه، بل وخارج أوروبا كلها.
أولهما كان مساء السبت قبل الماضى مع تمريرة ماكرة وفريدة من نوعها فى عالم كرة القدم بظهره لأحد زملائه.. وأكرر التأكيد أن التمريرة كانت بظهره.
وثانيهما كانت الاثنين الماضى بقرار فاصل من قاضى محكمة مدينة مانشستر الإنجليزية بحق رونالدو فى تعويض مدنى من صحيفة ديلى تيلجراف البريطانية الكبرى.. مع ضرورة اعتذار الصحيفة للاعب بسبب خبر كاذب نشرته فى يوليو 2008 عن سهرة حمراء فاجرة قضاها اللاعب فى أحد ملاهى لوس إنجيلوس خلال إجازة خاصة له فى الولايات المتحدة.
ولنا وقفة مع كل حدث لاستخلاص العبر والدروس.
ونبدأ بالتمريرة الماكرة وهى ليست الأولى فى تاريخ كرة القدم وسبق للجماهير الإسبانية أن شاهدتها، غير مرة من اللاعبين السابقين لفريق برشلونة البرازيلى رونالدينيو والسويدى زلاتان إبراهيموفيتش.. وقصة التمريرة قصيرة للغاية ولكن توابعها أطول وأعمق وأعنف مما يظن أى إنسان.. وهى حدثت فى الدقائق الأولى من مباراة دربى العاصمة مدريد فى ملعب سانتياجو بيرنابيو بين فريقى ريال مدريد وضيفه أتليتكو مدريد.. وكان الفريقان متعادلين سلبيا عندما اصطدمت الكرة بأحد مدافعى أتليتكو، وارتفعت عاليا فى الهواء واتجهت نحو رونالدو الواقف وحده فى الجناح الأيسر خارج منطقة الجزاء.. وانتظر رونالدو فى هدوء غريب الكرة التى اختارته لتذهب إليه وكان عنده كل الوقت ليتعرف على أماكن وتحركات زملائه ومنافسيه ويتخذ قراره بكل ثقة وارتياح.. وبينما اتجه إليه أحد مدافعى أتليتكو للضغط عليه وحرمانه من التصرف السليم جاءت لمسة رونالدو من كوكب آخر.
على عكس توقعات كل الخبراء والجماهير ومنافسيه بل وزملائه وقف رونالدو فى مكانه بلا حراك وكأنه مشلول.. ومال بجسمه فقط إلى الأمام وقدماه ملتصقتان بالأرض فى مكانهما.. وإذا بالكرة تسقط على ظهره وتصطدم به وتذهب بكل دقة إلى زميله القادم زابى ألونسو.. وارتسمت الابتسامة على شفاه رونالدو وسط حالة من عدم التصديق فى كل أرجاء الملعب.
هتف له أنصاره قبل أن يستغرقوا فى الضحك وهاجمته الجماهير المنافسة.. ورغم أن اللقاء دام 85 دقيقة بعد تلك اللعبة العجيبة وفاز ريال مدريد 2/صفر واحتفل أنصاره بزعامتهم للعاصمة فى ميدان فوينتس كعادتهم.. إلا أن الصحافة والبرامج ركزا طويلا على تمريرة الظهر واعتبرها بعضهم لحظة عبقرية نادرة لا يقدم عليها ولا يقدر عليها إلا الأفذاذ.. ورأى آخرون ونحن منهم أنها لحظة غرور أو سخرية وتهكم على المنافسين لا تصدر من نجم كبير فى مباراة رسمية.
كرة القدم رياضة شريفة فى مفهومها ومضمونها.. وتقوم على احترام الآخر من لاعبين وجماهير سواء من زملاء أو منافسين.. وما فعله رونالدو كان خاليا من أى احترام.. وحسنا عاقبته الأقدار وحرمته من هز الشباك، رغم أن معدله التسجيلى كان ممتازا فى كل اللقاءات الأخيرة.
وأتمنى ألا أرى لاعبا فى مصر أو خارجها يفكر فى الاستعراض المصحوب بالسخرية من منافسيه.. إنه القبح فى الرياضة. والقصة الثانية تصب فى صالح رونالدو بعد أن اتهمته صحيفة ديلى تليجراف ظلما وبهتانا أنه أمضى سهرة فاجرة ماجنة فى ملهى ليلى فى لوس أنجيلوس صيف 2008.. وأفاضت الصحيفة فى وصف تصرفاته الخاطئة بالرقص مع حفنة من الحسناوات بعد أن خلع حذاءه رغم أنه كان مصابا فى كاحله.. وأنه أفرط فى شرب الخمر دون أدنى اعتبار لوضعه كلاعب أو صحته أو مسؤولياته الاحترافية.
وجاء رد رونالدو حازما بأنه حصل على موافقة ناديه ومدربه أولا على الرحلة.. وأنه لم يشرب الخمر طوالها سواء فى الملهى أو فى أى مكان آخر.. وأنه لم يخلع الحذاء أو يرقص على الإطلاق.. وتحدى لو قدمت الصحيفة أى شاهد أو مشهد لمزاعمها. وعلى مدار عامين من التحقيقات ثبتت الحقيقة واعترفت الصحيفة بالخطأ واعتذرت بشجاعة وقررت دفع الغرامة دون معارضة.
وفى القصة دروس عدة للإعلام والصحافة فى مصر حول أهمية التدقيق فى البحث عن صحة ودلائل أى خبر أو موضوع يحمل إساءة أو تشويها أو تقليلا من شأن أى شخص أو أى مؤسسة.
وأخرى تتعلق بشجاعة الصحيفة فى الاعتراف والاعتذار وتحمل المسؤولية ودفع الغرامة دون عناد أو استعلاء رغم أنها من أكبر وأعرق صحف بريطانيا والعالم.
موقفان ولاعب واحد وتوقيت متزامن ودروس بلا عدد.
ليتنا نتعلم ونستفيد. > >
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة