من الطبيعى أن تكون مصر مساندة لقطر فى دعم وترويج ملفها الخاص باستضافة كأس العالم 2022، وليس واردا فى نطاق أى حسابات ألا تمد أية دولة عربية يدها لدولة شقيقة لتساعدها فى أى شأن إقليمى أو قارى أو دولى.
وتزداد قيمة المساندة بازدياد فرصة قطر فى الفوز بالتنظيم، والمتابع لتفكيرها وتحركها تجاه الترويج يجيب عن أسئلة كثيرة فى مجالات أخرى قفزت فيها قطر إلى دائرة الاهتمام العالمى المقرون بالدهشة والإعجاب، فكيف لدولة صغيرة المساحة والتعداد السكانى تعبر عن نفسها بأعمال كبيرة تعكس حجما هائلا من الطموح على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، وهو طموح عملى وليست أحلام يقظة من تلك التى تراود دولا أخرى أكبر حجما فى الجغرافيا وحتى التاريخ لكنها متوقفة أو متجمدة فى محورها لا تتحرك يمينا ولا يسارا وتتحدث عن التطور والتحديث لكنها لا تسير تجاهه ولو خطوة واحدة.
وربما من الوهلة الأولى، كما حدث بالفعل، يستغرب الناس أن تتجرأ قطر وتزاحم أمريكا وأستراليا والمقارنة معهما فى غير صالحها مبدئيا من ناحية توفر مصوغات التنظيم والمخاوف الخاصة بالطقس والإقبال الجماهيرى وغيرها من مظاهر "كرنفال" المونديال الذى لابد من تسيير بهجته بالموازاة مع المنافسة بين الفرق على اللقب.
إلا أن وقتا قصيرا من المراجعة مع النفس يكفى لتغيير الانطباع 180 درجة إذا نظر المرء إلى واقع لا تخطئه العين ومازال يدهشنا حتى الآن رغم أنه يعيش بيننا منذ سنوات، فالذى تجرأ أن يزاحم الإعلام الدولى من خلال قناة الجزيرة ثم يحتكر من خلالها الإعلام الرياضى حتى أصبحت الجزيرة تنافس نفسها فقط، والذى قدم للكرة الآسيوية شخصية متوازنة شديدة الاستيعاب لقوى كروية كبيرة فى القارة مثل اليابان والسعودية وكوريا وإيران وشديدة التفتح مع متطلبات صناعة كرة القدم، هذه الشخصية متمثلة فى محمد بن همام رئيس الإتحاد الآسيوى الذى أخرج من جعبته فكرا جديدا نقل القارة نقلة نوعية على كل مستويات عناصر اللعبة، يستطيع أن يتجرأ مجددا ويطور الجرأة، وأيضا هذا الكيان الطموح الذى له تجارب تاريخية رائدة غير مسبوقة فى الإعلام "الورقى" متمثلا فى مجلة الدوحة الثقافية التى كانت أول مرجعية صحفية عالية المستوى على الصعيد العربى، ومجلة الصقر التى كانت فاكهة الصحافة الرياضية العربية والقاطرة التى سحبت وراءها النماذج الجديدة من الصحافة الرياضية العربية المتخصصة، ناهيك عن نموذج التحديث فى البنية الأساسية الرياضية المحلية سواء من ناحية الإنشاءات أو تنظيم المسابقات باحترافية جعلت الدورى القطرى واحد من الدوريات العربية الجاذبة للمشاهدة، وأضف إلى ذلك وسطيتها السياسية التى جعلتها وسيطا دائما ومطروحا لحل مشاكل فى دائرتها العربية والآسيوية بل والعالمية، ثم حرصها على أن تجعل من نفسها عاصمة للثقافة العربية من خلال احتضان العديد من الأنشطة ذات الطابع الثقافى والاجتماعى فى دائرة أوسع من حدودها.
كل هذه الجرأة المتميزة بالتنوع وتحديث الطموح لا يجعل مغامرة قطر فى عرض ملف استضافة كأس العالم أمرا فوق المنطقى، خاصة وأنها مثيرة أيضا للاندهاش فى خريطة عرض هذا الملف، لأنها واجهت نقاط ضعفها بأفكار تحولها إلى نقاط قوة، ولم تكن فى ذلك خيالية تحلم وأعينها مفتوحة، بل قدمت لكل مشكلة حلا عبقريا ليس له مثيل، بل وعبرت عن فهمها لعلاقة السياسة بالرياضة وازدياد الارتباط بينهما إذا كان الأمر يخص تنظيم كئوس العالم وكيف أنه مرتبط بمصالح أكثر من كونه منافسة بين ما تحتويه الملفات، وطبعا ليس القصد مصالح أعضاء اللجنة التنفيذية بالفيفا، بل مصالح عليا للدول وشركاتها العملاقة، فوجدناها بأساليب مشروعة تخلق لنفسها مروجين لملفها دون أن تبذل معهم جهدا، فالشركة اليابانية والأخرى الفرنسية والثالثة الألمانية التى ستساهم فى تأسيس البنية الجديدة لتنظيم المونديال من مترو أنفاق وكوبرى يربط قطر بالبحرين وملاعب مكيفة سوف تكون أشد حرصا من قطر على فوز الملف.
وفوق كل ذلك هناك إرادة حقيقية تدير الملف وليس استعراضا ولا مجرد محاولة دعائية تلفت الانتباه لدولة صغيرة الحجم وتريد أن تزاحم الكبار، إنه الخيال الإيجابى الذى لا ينفصل كلية عن الواقع.
إبراهيم ربيع
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة